رمز المقاومة الفلسطينية.. 20 عاما على رحيل ياسر عرفات الشهيد صاحب الإرث الفريد
تحل علينا غدًا الذكرى العشرون لوفاة ياسر عرفات، الزعيم الرمزي للحركة الوطنية الفلسطينية، الذي وافته المنية في الحادي عشر من نوفمبر 2004، بحسب ما ذكرته وكالة وفا الفلسطينية بنسختها الأنجليزية.
لا تزال وفاة عرفات، في ظروف غامضة بعد سنوات من العزلة التي فرضها الحصار الإسرائيلي على مقره في رام الله، موضع جدل. وبعد عقدين من الزمان، لا يزال إرثه كرمز للمقاومة والقيادة الفلسطينية يتردد صداه.
إرث المقاومة والقيادة
وُلِد ياسر عرفات في القدس في الرابع من أغسطس 1929، وكرس جزءًا كبيرًا من حياته لحركة التحرير الفلسطينية. تلقى عرفات تعليمه في القاهرة، وانخرط بعمق في القضية الوطنية منذ سن مبكرة؛ حيث شارك في تأسيس حركة فتح في الخمسينيات وقاد منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1969. وقد نال الإعجاب لمرونته وتحديه، وخاصة في مواجهة الضغوط العسكرية والدبلوماسية الإسرائيلية.
كانت قيادة عرفات محورية خلال عدة لحظات رئيسية في التاريخ الفلسطيني. في عام 1974، أصبح أول زعيم فلسطيني يخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة، معلناً: “لقد جئت حاملاً غصن زيتون وبندقية مقاتل من أجل الحرية. لا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي”. وقد جسد هذا البيان نهجه المزدوج تجاه الدبلوماسية والمقاومة، والذي حدد الكثير من حياته السياسية.
أظهر دور عرفات أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والانتفاضة الأولى عام 1987، وتوقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 قدرته على التعامل مع تعقيدات المقاومة العسكرية والمشاركة الدبلوماسية. لقد جعلته رؤيته لفلسطين الحرة وجهوده لكسب الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية شخصية خالدة في تاريخ الصراع في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا.. فوز ترامب يعزز فرص بقاء نتنياهو في السلطة حتى انتخابات 2026
السنوات الأخيرة: التوترات والخلافات
في السنوات التي سبقت وفاته، اتسمت قيادة عرفات بتحديات داخلية وخارجية متزايدة. ساهم فشل قمة كامب ديفيد في عام 2000، حيث رفض عرفات الرضوخ للمطالب الإسرائيلية بشأن القدس، في اندلاع الانتفاضة الثانية. فرضت إسرائيل حصارًا على مجمع عرفات في رام الله في عام 2001، واستمر حتى وفاته في عام 2004.
على الرغم من عزلته، ظل عرفات شخصية مهمة للفلسطينيين. أثارت وفاته، المنسوبة رسميًا إلى سكتة دماغية، الشكوك، حيث اعتقد العديد من الفلسطينيين أنه تسمم، بحسب ما نشره موقع مانجولوري توداي.
في عام 2013، اقترح تحقيق أجرته قناة الجزيرة أنه تم العثور على آثار من مادة البولونيوم 210، وهي مادة مشعة، في متعلقاته، مما أدى إلى تأجيج نظريات المؤامرة حول تورط إسرائيل. ولكن فرق الطب الشرعي من روسيا وفرنسا وسويسرا فشلت في تأكيد هذه الادعاءات بشكل قاطع.
وتستمر زوجة عرفات، سهى، في التأكيد بأن زوجها قُتل، على الرغم من عدم تسمية أي مشتبه به رسميًا من قبل السلطة الفلسطينية. ويؤكد الجدل الدائر حول سبب وفاة عرفات على المؤامرة السياسية المحيطة بإرثه.
آخر مقابلة مع عرفات.. نظرة ثاقبة على دوافعه
في يوليو 2004، قبل بضعة أشهر فقط من وفاته، منح عرفات مقابلة تلفزيونية أخيرة لصحافي سويدي وزميل له. وقد قدمت المقابلة نظرة ثاقبة نادرة على حالته العقلية ودوافعه. وفي تبادل متوتر، أعرب عرفات عن إحباطه إزاء الإجراءات الإسرائيلية، وخاصة الانسحاب من غزة، والذي شعر أنه تم تنفيذه دون التشاور مع القيادة الفلسطينية. وتكشف تعليقاته أثناء المقابلة عن رجل ظل ملتزمًا بشدة برؤيته للسيادة الفلسطينية، حتى في الوقت الذي واجه فيه عزلة متزايدة.
لقد قُوبلت تصريحات عرفات خلال المقابلة التي أشار إليها الصحفي بول كاينر، في مقاله بصحيفة جويش كرونيكل، بما في ذلك الاتهامات التي وجهت إلى إسرائيل باستخدام اليورانيوم المنضب لإلحاق الأذى بالفلسطينيين، بالتشكك من جانب الخبراء. ومع ذلك، فإنها توضح الضغوط العاطفية والسياسية التي كان يتعرض لها خلال الأشهر الأخيرة من حياته.
ماذا لو كان قد عاش؟
يتساءل كثيرون كيف كان مسار التاريخ الفلسطيني والإقليمي ليتغير لو كان عرفات قد عاش لفترة أطول. ويتكهن البعض بأن عرفات كان ليتمكن من منع الانقسامات العميقة بين فتح وحماس، والتي تصاعدت إلى حرب أهلية في عام 2006 وسمحت لحماس في وقت لاحق بالاستيلاء على السيطرة على غزة. ويقترح آخرون أن عرفات كان ليتمكن من لعب دور أكثر نفوذاً في التفاوض على السلام. وكما أشار بول كاينر، المراسل الأجنبي الذي يتمتع بخبرة واسعة في المنطقة، “من يدري ماذا كان ليحدث في الشرق الأوسط؟”
ويزعم المسؤولون الإسرائيليون، ومن بينهم رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق شالوم بن حنان، أن وفاة عرفات كانت نتيجة لأسباب طبيعية، رافضين مزاعم القتل غير العمد باعتبارها جزءاً من رواية مستمرة تلقي باللوم على إسرائيل في كل ما تعانيه المنطقة من محن. ومع ذلك، فإن الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها حول وفاة عرفات لا تزال تغذي نظريات المؤامرة والمناورات السياسية.
الرمز الخالد للمقاومة الفلسطينية
بغض النظر عن الظروف المحيطة بوفاته، فإن إرث ياسر عرفات لا يزال باقياً. بالنسبة للفلسطينيين، يظل رمزاً للمقاومة ضد القمع وزعيماً كرس حياته للسعي إلى تحقيق تقرير المصير الفلسطيني. وفي مواجهة العنف المستمر في غزة والضفة الغربية، تعمل ذكراه كصرخة حاشدة للاستمرار في المقاومة وتذكير بالتحديات التي تنتظر الوحدة الفلسطينية وإقامة الدولة.
في الذكرى العشرين لرحيله، لا نتذكر عرفات فقط باعتباره والد الأمة الفلسطينية، بل وأيضاً كرمز للالتزام الثابت بقضية التحرير. إن رؤيته لفلسطين الحرة، ومثابرته في مواجهة الصعاب الساحقة، وقدرته على توحيد الناس حول قضية مشتركة لا تزال تلهم أجيالاً من الفلسطينيين الذين يكافحون من أجل العدالة والكرامة والحرية.