روسيا تكسر العزلة عن طالبان.. هل تشعل موسكو سباق الاعتراف الدولي بحكومة كابول؟

أعلنت روسيا رسميًا اعترافها بحكومة حركة طالبان في أفغانستان، لتصبح بذلك أول دولة تعترف علنًا بسلطة “الإمارة الإسلامية” التي تقودها طالبان منذ أغسطس 2021.
القرار الروسي يعكس تحوّلًا لافتًا في المشهد الدولي، وقد يفتح الباب أمام دول أخرى لكسر العزلة المفروضة على كابول.
إعلان رسمي يربك المعادلة الدولية
الممثل الخاص للرئيس الروسي في أفغانستان، زامير كابولوف، صرّح لوكالة “ريا نوفوستي” قائلاً: “تم الاعتراف”، وهو ما أكدته لاحقًا وزارة الخارجية الروسية لوكالة “تاس” دون الإدلاء بتفاصيل إضافية حول طبيعة الاعتراف أو مراحله.
هذا الإعلان شكّل مفاجأة دبلوماسية، نظرًا لأن معظم دول العالم لا تزال ترفض منح طالبان شرعية رسمية بسبب سياسات الحركة الداخلية، خصوصًا ما يتعلق بحقوق النساء والحريات.
طالبان ترحّب بقرار روسيا وتصفه بـ”الشجاع”
حكومة طالبان لم تُخفِ ترحيبها بالخطوة الروسية. فقد قال وزير الخارجية في حكومة الحركة، أمير خان متقي، خلال اجتماع مع السفير الروسي في كابول، دميتري زيرنوف، إن “القرار الشجاع سيكون مثالًا للآخرين”، مؤكدًا أن موسكو كانت “السباقة” في فتح باب الاعتراف الرسمي.
ونُشر تصريح متقي في مقطع فيديو عبر منصة “إكس”، حيث ظهر بجوار السفير الروسي معبّرًا عن أمله في أن تُلهم هذه الخطوة دولًا أخرى لاتخاذ موقف مماثل.
من الانسحاب الأمريكي إلى التحولات الجيوسياسية
الاعتراف الروسي يأتي بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو من أفغانستان، وسيطرة طالبان على العاصمة كابول في أغسطس 2021، وإعلانها لاحقًا تشكيل حكومة باسم “إمارة أفغانستان الإسلامية”.
ومنذ ذلك الحين، لم تنل هذه الحكومة اعترافًا دوليًا رسميًا، رغم اتصالات سياسية وميدانية جرت بين طالبان وعدد من العواصم الإقليمية.
تُدار حكومة طالبان حاليًا بقيادة الزعيم الأعلى هبة الله أخوند زاده، ويدير شؤون الدولة مجلس وزراء يتألف من قيادات بارزة في الحركة، لكن المجتمع الدولي لا يزال يشترط تشكيل حكومة شاملة واحترام حقوق الإنسان لبحث الاعتراف الرسمي بها.
دوافع روسيا من الإعتراف بحكومة طالبان
يرى محللون أن الخطوة الروسية تتجاوز كونها اعترافًا دبلوماسيًا، لتعبّر عن رؤية استراتيجية أوسع. فموسكو تسعى لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى، وملء الفراغ الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.
كما أن التقارب مع طالبان قد يخدم المصالح الأمنية الروسية في محاربة التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم “داعش – ولاية خراسان” الذي ينشط في بعض مناطق أفغانستان.
إضافة إلى ذلك، تحاول روسيا إعادة التموضع في الملفات الإقليمية، واستخدام أوراق النفوذ في أفغانستان كورقة تفاوض في مواجهتها المستمرة مع الغرب، خصوصًا في ظل العقوبات والعزلة المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.
هل تحرك روسيا موجة الاعترافات بحكومة طالبان ؟
بحسب مراقبون فإن القرار الروسي يُعيد طرح السؤال الأهم: هل باتت حركة طالبان قاب قوسين أو أدنى من نيل اعتراف دولي واسع؟ مراقبون يعتقدون أن دولًا مثل الصين وإيران وتركيا وباكستان قد تعيد تقييم موقفها في ضوء المستجدات، خصوصًا إذا ما رأت في ذلك فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي أو حماية مصالحها الأمنية والاقتصادية.
كما أن بعض دول آسيا الوسطى التي تربطها علاقات أمنية بروسيا قد تحذو حذو موسكو، فيما تظل الدول الغربية متمسكة بشروطها، وفي مقدمتها ملف الحريات والنساء والتعليم.
عودة تدريجية إلى الساحة الدولية
رغم العزلة الرسمية، لم تغب طالبان عن المشهد الدبلوماسي، إذ شارك ممثلوها في اجتماعات أمنية واقتصادية إقليمية، كان أبرزها اللقاءات التي نظمتها روسيا في موسكو، والصين في بكين، بالإضافة إلى اجتماعات في طهران وإسلام آباد.
ويبدو أن كابول تسير نحو عودة تدريجية للمشهد الدولي، لكن هذه العودة ما زالت محفوفة بشروط دولية معقدة وتوازنات إقليمية دقيقة.