زيارة ماكرون لمصر.. دبلوماسية ثقافية وشراكات اقتصادية وفصل جديد في علاقات البلدين

وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة، مصر، في زيارة دبلوماسية لمدة يومين تُركّز على القضايا الإنسانية الحيوية، والدبلوماسية الثقافية، وتعزيز الشراكة الثنائية بين فرنسا ومصر.
وفقا لرويترز، تأتي زيارة ماكرون لمصر في وقتٍ يشهد تصاعداً في التوتر الجيوسياسي، لا سيما مع استمرار الأزمة في غزة. تُسلّط زيارة ماكرون الضوء على المصالح المشتركة للبلدين في ضمان الاستقرار في المنطقة، مع تعزيز التزامهما بحلّ الأزمة الإنسانية المستمرة.
اتفاقيات استراتيجية لتعزيز الاقتصاد المصري
وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، من أهم نتائج زيارة ماكرون لمصر توقيع اتفاقيات شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون في قطاعات مثل الصحة والنقل والطاقة. وأكد ماكرون على الدور المحوري لمصر كشريك استراتيجي لفرنسا، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر في ظل مناخ إقليمي متقلب.
في حديثه للصحفيين إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جدد ماكرون التزام فرنسا بدعم الاستقرار الاقتصادي لمصر، مؤكدًا دعمها المستمر من خلال قروض ومنح بقيمة إجمالية تبلغ 260 مليون يورو (284.5 مليون دولار).
ستُخصص هذه المساعدة المالية لمشاريع البنية التحتية الرئيسية، بما في ذلك تحسينات في قطاعات النقل والصحة والمياه والطاقة.
كما جدد ماكرون دعمه لجهود مصر للحصول على مساعدات مالية من المؤسسات الدولية. في مارس 2025، وافق صندوق النقد الدولي على صرف قرض بقيمة 1.2 مليار دولار لمصر للمساعدة في الحد من التضخم ونقص العملة.
الدبلوماسية الثقافية: تعزيز العلاقات الفرنسية المصرية
استهل ماكرون زيارته بزيارة رمزية إلى المتحف المصري الكبير، المقرر افتتاحه في يوليو 2025. وقد سلط ماكرون الضوء على هذا المتحف، الذي يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، بما في ذلك مجموعة توت عنخ آمون الكاملة، باعتباره شاهدًا على التراث الثقافي الغني لمصر.
أعرب الرئيس الفرنسي عن اهتمام فرنسا العميق بتعزيز التبادل الثقافي والسياحي مع مصر، مما يمثل جانبًا مهمًا من علاقاتهما الدبلوماسية، يتجاوز التعاون السياسي والاقتصادي.
وفي وقت لاحق من ذلك المساء، تناول ماكرون والرئيس السيسي عشاءً في سوق خان الخليلي الشهير بالقاهرة، في أجواء من الاحترام المتبادل والدبلوماسية غير الرسمية. وقد أبرز هذا اللقاء التقارب الشخصي بين الزعيمين، مما مهد الطريق لمزيد من التركيز على القضايا الإقليمية الملحة.
تركيز إنساني: أزمة غزة
كان الوضع الإنساني في غزة محور زيارة ماكرون. خلال لقائهما الثنائي، أعرب الزعيمان عن قلقهما البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية. وأكد الرئيس الفرنسي مجدداً دعوته لوقف فوري لإطلاق النار في المنطقة، داعياً إلى توسيع الممرات الإنسانية للسماح بوصول المساعدات إلى المحتاجين.
كما دعا ماكرون والسيسي بشكل مشترك إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، وهو مطلب لا يزال عنصراً محورياً في الجهود الدبلوماسية لتهدئة الصراع.
في تطور هام، أعلن ماكرون عن خطط لعقد قمة ثلاثية تضم مصر والأردن وفرنسا لمناقشة تنسيق الجهود لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية. وستعزز هذه القمة، التي ستستضيفها فرنسا، الجهود الدولية الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي وتقديم مساعدات إنسانية لسكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.
اقرأ أيضًا: بعد أسبوع خسائر بسبب رسوم ترامب الجمركية.. وول ستريت تستعد لمزيد من الفوضى
التعاون المستقبلي: قمة ثلاثية بشأن غزة
كما تضمنت زيارة ماكرون الدبلوماسية الإعلان عن قمة ثلاثية قادمة مع الرئيس المصري السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
ستركز هذه القمة على الحاجة المُلحة لمعالجة أزمة غزة، مع التركيز على تحقيق وقف إطلاق نار دائم، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، ومنع المزيد من تصعيد التوترات الإقليمية. وبينما لم يُحدد موعد القمة بدقة، تُشير هذه المبادرة إلى تحالف متنامٍ من الدول الملتزمة بالتدخل الدبلوماسي والإنساني.
دعم إعادة إعمار غزة: فرنسا تُعارض تهجير السكان
كان موقف ماكرون الحازم ضد تهجير السكان الفلسطينيين من غزة عنصرًا أساسيًا آخر في محادثاته. وأعرب الرئيس الفرنسي عن معارضته لأي جهود لإخراج الفلسطينيين من غزة، وهو اقتراح طُرح سابقًا في مناقشات دولية.
دعم ماكرون خطة إعادة الإعمار التي أقرتها جامعة الدول العربية، والتي تُتيح مسارًا عمليًا لإعادة إعمار غزة مع الحفاظ على السيادة الفلسطينية.
أعرب كل من ماكرون والسيسي عن دعمهما لحل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لضمان سلام دائم في المنطقة. وأكد ماكرون تحديدًا أن السلطة الفلسطينية هي من يجب أن تقود حكم غزة مستقبلًا، وليس حماس، التي تعرضت لانتقادات واسعة لدورها في الصراع الدائر.
استمرار الجهود الدبلوماسية من أجل الاستقرار
في الوقت الذي يستعد فيه ماكرون لزيارة مدينة العريش الساحلية لتقييم الوضع الإنساني بشكل أعمق، تُبرز زيارته أهمية دور فرنسا الفاعل في دعم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
يعكس التزام ماكرون بمستقبل المنطقة، من خلال العمل الدبلوماسي والمساعدات الإنسانية المباشرة، عزم فرنسا المستمر على لعب دور محوري في حل أحد أكثر صراعات العصر الحديث استعصاءً.
إن الزخم الدبلوماسي الذي ولّدته زيارة ماكرون، إلى جانب موقفه الثابت من ضرورة وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية، يُشير إلى استمرار الشراكة الفرنسية المصرية في مواجهة التحديات المعقدة والمتطورة في غزة.