سجن صيدنايا.. من رمز للقمع إلى لغز المفقودين

مع سقوط نظام الأسد، تدفق الآلاف من السوريين إلى سجن صيدنايا العسكري، هذا السجن، الذي عُرف بـ”المسلخ البشري”، كان لعقود رمزًا للقمع الوحشي للنظام ضد معارضيه، في ظل هذا السعي المحموم وراء الحقيقة، تباينت الروايات، وازدادت الأسئلة الغامضة حول مصير المعتقلين.

سجن صيدنايا: بين الأمل واليأس

الأيام التي تلت انهيار العاصمة دمشق، هرع الآلاف إلى سجن صيدنايا العسكري، الواقع شمال العاصمة، للبحث عن أقاربهم، هذا السجن الذي كان في قلب الحملة القمعية التي شنها نظام الأسد ضد أي شكل من أشكال المعارضة السورية بداية الحرب الأهلية في عام 2011، أصبح رمزًا لمعاناة السوريين.

اقرأ أيضًا: سجن صيدنايا السوري.. من مسلخ بشري إلى مشهد لتحرير المعتقلين

سجن صيدنايا.. العثور على مقبرة جماعية بجانب سلخانة الأسد

100 ألف دولار لفك شيفرة سجن صيدنايا.. سباق مع الزمن لإنقاذ آلاف الأرواح

“قيصر”.. شهادات توثّق أهوال التعذيب في سوريا

في يونيو 2020، عادت تسريبات قيصر إلى الواجهة، وهي صور صادمة وثَّقت وحشية التعذيب داخل السجون السورية. التسريبات، التي أخرجها عسكري منشق عن النظام السوري وقدّمها إلى الكونغرس الأمريكي في 2014، تضمنت حوالي 55 ألف صورة لجثث سجناء قُتلوا تحت التعذيب. بعض هذه الصور تعود لأشخاص كانت عائلاتهم تجهل مصيرهم، حيث أظهرت آثار الجوع والتشويه الوحشي على أجسادهم.

أهوال سجن صيدنايا: شهادات من “المسلخ البشري”

روايات الناجين من سجن صيدنايا كشفت مشاهد تقشعر لها الأبدان. الحرمان من الطعام كان أحد أساليب التعذيب الرئيسية، حيث وصف أحد المعتقلين السابقين كيف كان يدّخر كسرة خبز يومياً لمدة أسبوع ليشعر مرة واحدة بالشبع. آخرون فقدوا عقولهم نتيجة الجوع والقهر، أحد هؤلاء كان طالباً في كلية الطب، اعتقل وهو في العشرين من عمره، وعندما خرج بعد سنوات لم يتعرف عليه أهله بسبب نحافته الشديدة وتغير ملامحه.

كما ظهرت شهادات عن مسنين عاجزين فقدوا القدرة على النطق من شدة الصدمة. أحدهم كتب على ورقة أنه ينتمي إلى بيت عابدين في حماة، وأشار إلى اعتقاله منذ عام 1982.

التعذيب بلا سبب: محاولة لقتل الإنسانية

الناجون أكّدوا أن التعذيب في صيدنايا لم يكن يهدف إلى انتزاع معلومات أو معاقبة السجناء على أفعال محددة، بل كان ممارساً بوحشية مطلقة لإذلالهم وتجريدهم من إنسانيتهم. الضرب بالكهرباء والتعذيب الجسدي والنفسي كانا ممارسة يومية، إلى جانب وسائل مرعبة مثل وضع السجناء في حفر مليئة بالزواحف أو حشرهم في زنازين مكتظة دون أي معلومات عن العالم الخارجي.

هذه الشهادات الصادمة، التي وثقتها الفيديوهات وروايات الناجين، تبقى شاهداً على حجم الجرائم التي ارتُكبت ضد الإنسانية داخل هذه السجون، لتعيد طرح تساؤلات ملحّة حول مسؤولية المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات.

“مازن حمادة: من التعذيب الوحشي إلى النهاية المأساوية”

واجه مازن حمادة، الصحفي والمصور السوري، تجربة مروعة بعد اعتقاله واتهامه زوراً بحمل السلاح، رفضه الاعتراف تحت الضغط أدى إلى تعذيب وحشي بدأ بطرحه أرضاً والقفز على صدره وظهره حتى تكسرت أضلاعه، لاحقاً، تم تعليقه بكلبشات من يديه على شباك معدني منخفض، بينما وُضع حذاء في فمه لمنعه من الصراخ.

استمرت الانتهاكات بالاعتداء على أعضائه التناسلية وأجزاء حساسة من جسده، في محاولات متكررة لإجباره على الاعتراف، وبعد الإفراج عنه، لجأ حمادة إلى هولندا، حيث وثّق شهادته عن هذه التجارب المريرة.

لكن الأمل في تغير الأوضاع دفعه للعودة إلى سوريا، وفقاً لتقارير حديثة، عُثر على جثته أمس في سجن صيدنايا، لتكتب النهاية المأساوية لقصة مازن، وتكشف عن حجم المأساة التي يعانيها المعتقلون في السجون السورية.

للمزيد: أخبار سوريا.. الأمم المتحدة: إعادة النظر في تصنيف هيئة تحرير الشام «منظمة إرهابية»

إسرائيل تدمر منظومات الدفاع الجوي لسوريا وتواصل التوغل العسكري بالجنوب

مرحلة جديدة ما بعد الأسد.. تكليف محمد البشير بتشكيل حكومة انتقالية في سوريا

سجن صيدنايا.. الحقيقة المخفية وراء الأبواب المغلقة

في السنوات التي تلت اندلاع الحرب، تم اعتقال آلاف السوريين في سجن صيدنايا بتهم تتراوح بين النشاط السياسي والتعبير عن المعارضة.

تقديرات حقوقية تشير إلى أن ما بين 10 إلى 20 ألف شخص كانوا في السجن في عام 2017، حيث كانت العمليات الوحشية من تعذيب وإعدام جماعي تتم على مدار الساعة.

منظمة العفو الدولية وثقت شهادات العديد من السجناء الذين أفادوا بتعرضهم للتعذيب الممنهج، بما في ذلك الضرب المبرح والاغتصاب، في ظل ظروف مأساوية.

جريمة الإعدام الجماعي

سجن صيدنايا كان معروفًا بـ”غرف الإعدام” السرية، حيث كان يتم نقل المعتقلين لتنفيذ عمليات إعدام جماعي، وفقًا للتقارير الصادرة عن منظمة العفو الدولية، استخدم السجن هذه الغرف لتنفيذ عمليات الإعدام بشكل دوري، حيث كانت تتم معاقبة المعتقلين بالشنق على مرأى من سجناء آخرين.

وقدّر تقرير عام 2017 أن أكثر من 30 ألف معتقل لقوا حتفهم بين عامي 2011 و2018 نتيجة للتعذيب أو الإعدام، بينما استمر العدد في الارتفاع حتى عام 2021.

اكتشافات جديدة بين الحقيقة والسراب

بعد انهيار النظام، تحركت فرق الإنقاذ، والدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، إلى سجن صيدنايا للبحث عن ناجين أو أدلة حول مصير المفقودين، ورغم جهودهم التي شملت تفتيش السجن بأدوات حفر وكلاب بوليسية، لم تسفر العمليات عن اكتشاف أي أدلة جديدة.

وأعلن فريق الخوذ البيضاء في بيان رسمي عن انتهاء عمليات البحث في سجن صيدنايا بعد ساعات من الحفر والتنقيب، مشيرًا إلى أنه “لم يتم العثور على أي أماكن مخفية” داخل السجن، وأشار فريق الخوذ البيضاء إلى أنهم حاولوا، باستخدام كافة الوسائل المتاحة لهم، بما في ذلك الكلاب البوليسية وأدوات الحفر، الوصول إلى أي زنزانات سرية قد تحتوي على معتقلين أحياء أو جثث. ولكن بعد ساعات طويلة من البحث، أعلن الدفاع المدني السوري عن انتهاء عمليات البحث دون العثور على أي معتقلين.

تصريحات الدفاع المدني السوري

قال غياث أبو الدهب المتحدث باسم قوات الدفاع المدني، إن هناك شكوكا حيال الأعداد الحقيقية للسجناء الذين كانوا في سجن صيدنايا، وأكد أن أكثر من 3500 شخص كانوا محتجزين في السجن حتى ثلاثة أشهر مضت، لكن العدد انخفض بعد السيطرة عليه من قبل المعارضة السورية.

وأضاف أبو الدهب أن “السجن ليس المكان الوحيد، فقد حول النظام كل سوريا إلى سجن كبير”، مشيرًا إلى السجون الأخرى المنتشرة في أنحاء البلاد.

هل حقًا تم العثور على شيء؟

التفتيش المكثف الذي قام به الدفاع المدني، والذي شمل فحص كل بئر وفتحة تهوية، لم يسفر عن أي إجابات، وقال أبو الدهب إن “الحزن العميق الذي يشعر به الأهالي بسبب عدم العثور على أقاربهم يعكس مدى الصدمة التي يعيشها المجتمع السوري”.

الآمال الضائعة… هل من جواب؟

الآمال التي بدأها السوريون بالبحث عن الحقيقة في صيدنايا انتهت بخيبة أمل، ولكن هناك اعتراف عالمي بوحشية هذا السجن الذي أصبح رمزًا لعهد القمع في سوريا، مع استمرار البحث عن المفقودين وتوالي الشهادات حول ما جرى داخل جدران هذا السجن، يبقى السؤال الأهم: هل سيأتي يوم يكتشف فيه السوريون الحقيقة كاملة؟

وحدة الظلام

وقد أصبح سجن صيدنايا في ذاكرة السوريين رمزا لقمع النظام السوري، ولا سيما بعد عام 2011 عندما كانت أي معارضة للنظام أو احتجاج سياسي تؤدي إلى اعتقال الشخص في هذا السجن المروع، ومنظمة العفو الدولية أكدت في تقرير لها عام 2017 أن ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص كانوا محتجزين في صيدنايا في ذلك الوقت، وأن العديد منهم تم إعدامهم في عمليات إعدام جماعي.

زر الذهاب إلى الأعلى