غضب حقوقي من دمشق.. هل بدأت حكومة الشرع إعادة تدوير قيادات نظام الأسد؟

أثار المؤتمر الإعلامي الذي عقدته وزارة الداخلية في حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع الثلاثاء في دمشق، ردود فعل غاضبة في الأوساط الحقوقية، بعد ظهور شخصيات مثيرة للجدل في المشهد العام، على رأسهم عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان، والمتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا، إلى جانب إشارات لدور شخصيات سابقة متهمة بانتهاكات جسيمة، كـ”فادي صقر”، في جهود ما يُعرف بـ”المصالحة المجتمعية”.

منظمة “ملفات قيصر من أجل العدالة” كانت من أبرز الجهات التي سارعت إلى إصدار بيان شديد اللهجة، عبّرت فيه عن رفضها لما وصفته بمحاولات حكومة الشرع “إعادة تأهيل” المتورطين في جرائم ضد الإنسانية، ومنحهم أدواراً في الحياة العامة دون مساءلة قانونية أو محاسبة قضائية، مؤكدة أن أي عملية سياسية أو مجتمعية لا تستند إلى العدالة الشاملة مآلها الفشل وإعادة إنتاج العنف.

رسالة حقوقية قوية لـ حكومة الشرع

البيان، الذي صدر الأربعاء، شدد على أن العدالة ليست مرحلة لاحقة على الاستقرار، بل هي شرط أساسي لتحقيقه، واصفًا الخطاب الرسمي الذي يُقدم “السلام الأهلي” باعتباره بديلاً عن المحاسبة بأنه “مغالطة مفاهيمية خطيرة”.

وأكدت المنظمة أن المجتمعات المستقرة لا تُبنى عبر تجاوز الجرائم أو تجاهل معاناة الضحايا، وإنما من خلال الاعتراف بانتهاكات الماضي ومحاسبة المسؤولين عنها وفق مسارات قضائية نزيهة.

وجاء في البيان: “إن الطرح القائل بأن الاستقرار يسبق العدالة يعكس فهماً مشوّهاً لطبيعة العدالة ودورها التأسيسي في المجتمعات الحرة. فالتغاضي عن المحاسبة لا يؤدي سوى إلى إعادة إنتاج العنف، ويقوض أي إمكانية لتحقيق سلام دائم”.

منظمة حقوقية تحذر حكومة الشرع من انتهاك حقوق الضحايا

تطرقت المنظمة إلى تصريحات حسن صوفان حول مشاركة شخصيات عسكرية وأمنية سابقة في مبادرات “تحرير” ثم “سلم أهلي”، وعلى رأسها فادي صقر، الذي يُنظر إليه في العديد من الأوساط السورية كأحد أبرز وجوه القمع خلال السنوات الماضية.

ووصفت المنظمة تلك المحاولات بأنها “انتهاك صارخ لحقوق الضحايا وإهانة لمبدأ العدالة”، مؤكدة أن لا جهة تملك شرعية تبييض سجلات مرتكبي الانتهاكات أو تقديمهم كـ”رموز سلم مجتمعي”.

وأضاف البيان:”لا يمكن منطقياً أو أخلاقياً أن يُسند دورٌ في إعادة بناء المجتمع لمن كان شريكاً في تدميره، ولا يمكن تصوّر أن يُقدّم من تلطخت يداه بدماء الأبرياء كرمز للسلام في مجتمع منكوب ما زال يعاني من آثار الجرائم المرتكبة”.

كما اعتبرت المنظمة أن المؤتمر الأخير فاقم من فقدان الثقة بين المتضررين والسلطة الانتقالية، ولم يُسهم في تهدئة الأجواء بقدر ما عمّق الجراح، في ظل غياب أي إشارات جدية إلى محاسبة مرتكبي الجرائم أو الاستجابة لمطالب ذوي الضحايا.

مخاوف من ترسيخ الإفلات من العقاب

عبّرت “ملفات قيصر” عن خشيتها من أن تكون السلطة السورية الجديدة تسير في اتجاه توفير الحصانة القانونية والسياسية لمرتكبي جرائم الحرب، وهو ما اعتبرته مساراً شديد الخطورة يكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، ويهدد بتكرار المأساة مستقبلاً.

وأكد البيان على أهمية دور منظمات المجتمع المدني السورية في مراقبة أداء السلطة الانتقالية، لا سيما في ملفات المختفين قسرياً، وضحايا التعذيب، والمجازر الجماعية التي ارتُكبت خلال حكم النظام السابق.

خارطة طريق للعدالة والمحاسبة

دعت المنظمة إلى وضع خطة وطنية شاملة للعدالة الانتقالية، تشمل آليات قانونية وتشريعية لمحاسبة كل المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، دون انتقائية أو تمييز، مع مراعاة الضمانات اللازمة لنزاهة المحاكمات وحقوق الضحايا.

كما شددت على أن تحقيق الاستقرار الحقيقي لا يمكن أن يتم عبر التسويات السياسية الشكلية أو تعويم الرموز الأمنية السابقة، بل من خلال إعادة الاعتبار للقانون والعدالة والحقوق.

واختُتم البيان بالتأكيد على مبدأ واضح لا لبس فيه: “لا عدالة دون محاسبة، ولا سلم مستدام دون إنصاف الضحايا، ولا صكوك غفران للقتلة”.

اقرأ أيضًا: مخطط اغتيال الشرع.. هل تنجح واشنطن في حماية الرئيس السوري من التصفية؟

زر الذهاب إلى الأعلى