تاريخ وتراث

فى عيدها القومي : سيناء بعيون الحضارة المصرية

تا  فكات، أرض الفيروز، أشهر التسميات التي أطلقها أجدادنا على أرض سيناء، ابنة مصر الغالية، أرض العزة والانتصارات، حاضنة دماء أبناء مصر الأبطال في قلب رمالها الطاهرة لنؤرخ سيناء وعيدها القومي عبر معرفة عمق حضارتها المصرية.

فالتاريخ يَحبُو على أطرافه، أدرك أجدادنا العظماء أهمية سيناء ككنزِ اقتصادي غني، فبادروا بإرسال حملات استكشافية إلى مناجمها ومحاجرها لاستخراج ثرواتها المعدنية، وعلى رأسها النحاس والفيروز.

مع حلول عصر الأسرات، واصل ملوكنا الأبطال هذه الجهود، فأرسلوا حملات تعدين مكثفة، إلى جانب حملات عسكرية قوية لتأمين تلك المناجم والمحاجر، وصدّ أي هجمات قد تأتي من الشرق.

وخير شاهد على تلك الأحداث نصوص وادي المغارة بسيناء التي سجّلَت اهتمام ملوك الدولة القديمة، على رأسها الأسرة الخامسة، باستثمار المحاجر والحملات العسكرية.

واصلَ ملوك الدولة الوسطى مسيرة أسلافهم العظماء، فلم يقتصروا على تعزيز الأهمية الاقتصادية لسيناء، بل حرصوا على ترسيخ مكانتها العسكرية، فجعلوها حصناً منيعاً قوياً للدولة المصرية. وخير شاهد على ذلك عهد الملك أمنمحات الأول، حيث أقام تحصينات عسكرية ضخمة عرفت باسم “حائط الأمير”.

ومع توهج نور الإمبراطورية المصرية في عصر الدولة الحديثة، تألَّقت سيناء كجوهرة ثمينة في تاجها، لتصبح بوابة عبور مصر نحو المجد والانتصارات، وبسط نفوذها على الممالك الأخرى. ومن تلك الحقبة العريقة، وصلتنا آثار أحد أقدم الطرق الحربية في التاريخ، لتشهد بصدق على عبقرية الإستراتيجية العسكرية المصرية القديمة.

طريق حورس الحربى

حرص أجدادنا على تخليد إنجازاتهم على جدران معابدنا منذ فجر الحضارة المصرية القديمة، فكان طريق حورس الحربي كنقش الملك سيتي الأول في معبد الكرنك، شاهداً حياً وخالداً على عبقرية أجدادنا العسكرية.

امتد هذا الطريق على طول 220 كيلومتراً، ليربُط بين السويس ورفح.

سارت على خطاه جيوش أعظم ملوك مصر. و حمل على ظهره 11 قلعة تحصينية بُنيت عبر العصور. وشهد الطريق على عبقرية الإمبراطور تحتمس الثالث، الذي اتخذه مساراً لجيوشه في رحلة مجد نحو “مجدو”.

و هنا يجب أن نتوقف ونُلقي الضوء على المعركة الأكثر خلوداً وتعقيداً في تاريخنا.

فبعد وفاة الملكة حتشبسوت، تولى الملك تحتمس الثالث مقاليد الحكم خلفاً لها. تمرد أمراء ممالك آسيا على مصر وتحالفوا ضدها، وتجمعوا بقيادة أمير قادش في مدينة مجدو شمال فلسطين، استعداداً لمهاجمتها.

واجه تحتمس الثالث معضلة كبيرة، حيث أخبرت فرق الاستطلاع الملك بوجود طريقين يؤديان إلى مجدو: طريق واسع تسيطر عليه قوات العدو، متوقعة مرور الجيش المصري منه، فاستعدت وتجهزت بأحدث الأسلحة وأمهر الفرسان. وطريق ضيق وعر في الجبل لا يسمح بمرور العربات الحربية، ولا حتى بجدنيان يسيران جنباً إلى جنب.

وبشجاعة نادرة، رغم معارضة قادته، اتخذ الملك تحتمس الثالث قراراً مصيرياً بعبور الطريق الضيق (طريق حورس) على رأس جيشه.

وأثبتت ارادة الملك الذكاء والحكمة إلى جانب الشجاعة، وتمكن الجيش المصري من عبور الطريق بسلام، ومفاجأة جيوش العدو عند فجر اليوم التالي، محققاً نصراً ساحقاً على القوات المتمردة. إذ تحرك الجيش وهاجم جيوش الممالك المتمردة في مفاجأة مدوية أربكتهم، وحققت النصر لمصر.

لكنَّ انشغال الجنود المصريين بجمع الغنائم بعد الانتصار في المعركة، سمح لقوات العدو المتبقية بالفرار هاربة إلى حصن مجدو. فطاردهم الملك تحتمس وحاصر الحصن حتى استسلامه، ليُصبح رمزاً لسيطرة مصر وبسطِ نفوذها على كامل الممالك المتمردة.

لم تتوقف انتصارات تحتمس الثالث، كما يحكي التاريخ. بل واصل شنّ حملات عسكرية لاحقة ساهمت في توسيع رقعة الإمبراطورية المصرية وتتويجها على عرش العالم القديم لنتذكر ذلك التاريخ لسيناء وعيدها.

وهكذا، تُعدّ أرض سيناء الغالية، بعيون الحضارة المصرية القديمة، بوابة مصر الشرقية للانتصارات والأمجاد. و أرض الفيروز تشهد على عبقرية الإمبراطور تحتمس الثالث، الذي خلد اسمه في صفحات التاريخ.

إعداد : فاطمة الزهراء مزر

زر الذهاب إلى الأعلى