كوريا الجنوبية قد تنقرض قريبا.. تراجع معدلات المواليد ينذر بكارثة عالمية

القاهرة (خاص عن مصر)- في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بعيد الأم، وهو احتفال كان يُعتبر في السابق مناسبة عاطفية ومفهومة على نطاق واسع، تُلقي واقع تراجع معدلات المواليد ومعدلات الخصوبة في العصر الحديث بظلاله على هذه المناسبة السعيدة.

تراجع عدد النساء اللواتي يخترن أن يصبحن أمهات، وفي العديد من البلدان، بما في ذلك بريطانيا، وصلت معدلات الخصوبة إلى مستويات مُنخفضة مُقلقة.

الأرقام تتحدث عن نفسها ففي عام 2020، كانت نصف النساء البريطانيات البالغات من العمر 30 عامًا بلا أطفال – وهو تحول كبير عن جيل جداتهن، حيث كانت نسبة 18% فقط بلا أطفال.

أزمة عالمية في الخصوبة.. التراجع الصامت

انخفض معدل الخصوبة الإجمالي في بريطانيا – وهو متوسط ​​عدد الأطفال المتوقع أن تنجبهم المرأة – إلى 1.44 ولادة لكل امرأة، وهو أقل بكثير من 2.1 ولادة اللازمة للحفاظ على استقرار السكان. لا يقتصر هذا التوجه على بريطانيا فحسب.

ففي جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دول مثل كوريا الجنوبية، تشهد معدلات الخصوبة انخفاضًا حادًا. تُمثل كوريا الجنوبية، بمعدل خصوبة إجمالي يبلغ 0.7 فقط، أدنى معدل خصوبة عالميًا، وإذا استمرت هذه الاتجاهات، فقد تواجه البلاد تحولات مجتمعية عميقة، مع شيخوخة سكانية سريعة وانخفاض حاد في جيل الشباب.

الآثار وخيمة. ففي كوريا الجنوبية، تشير التوقعات إلى أنه مقابل كل 100 جدٍّ أو جدة محتملين، سيولد 12 حفيدًا فقط، وهؤلاء الـ 12 سينجبون أربعة أطفال فقط. وإذا استمر هذا الوضع، فقد تشهد البلاد زوال مجتمعها تقريبًا خلال فترة قصيرة من العمر، ليس بسبب الحرب أو المجاعة، بل بسبب الضغوط المجتمعية والخيارات الشخصية.

معدل الخصوبة في بريطانيا وأثره على المستقبل

إذا استمرت الاتجاهات الحالية في المملكة المتحدة، فإن الإحصاءات ستكون بنفس القدر من الفظاعة. مقابل كل 100 بالغ اليوم، سيولد 72 طفلًا فقط، و52 حفيدًا فقط.

يكون كل جيل متتالي أصغر بمقدار الثلث من الجيل الذي سبقه. يُطرح هذا التحول الديموغرافي تحدياتٍ كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بكيفية دعم انكماش عدد السكان الأصغر سنًا لشيخوخة السكان المتزايدة.

لماذا يختار الشباب تأجيل الإنجاب؟

تتعدد أسباب هذا الانخفاض في الخصوبة. ففي الدول المتقدمة، يُشير العديد من الشباب إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع تكاليف السكن، وثقافة العمل المُرهِقة كعوامل رئيسية في قراراتهم بتأجيل الإنجاب أو التخلي عنه. كما يشهد المجتمع تحولًا مجتمعيًا أوسع نطاقًا نحو إعطاء الأولوية للأهداف المهنية الفردية والهوية الشخصية.

يتفاقم تحدي الموازنة بين العمل والحياة المهنية والحياة الأسرية، وخاصةً بالنسبة للنساء، بسبب عدم كفاية أنظمة الدعم المُقدمة للآباء العاملين.

علاوة على ذلك، يُعرب العديد من الشباب عن مخاوفهم بشأن موثوقية والتزام الشركاء المُحتملين. وقد أدى نقص الدعم المُقدم للآباء والأمهات العازبين والصعوبات المُتزايدة المُرتبطة بتربية الأطفال بمفردهم إلى تردد الكثيرين في تكوين أسر.

محاولات عكس هذا التراجع: الحوافز المالية وأنظمة الدعم

حاولت بعض الدول، مثل فرنسا والدنمارك، تحفيز الإنجاب من خلال تقديم الدعم المالي والإعفاءات الضريبية ودعم رعاية الأطفال. في حين أن هذه التدابير قد خففت عن البعض، إلا أنها لم تُحدث تغييراً كبيراً في الاتجاه التنازلي لمعدلات المواليد. فالحوافز المالية، وإن كانت ضرورية، إلا أنها جزء من الحل، وتفشل في معالجة التحديات الثقافية والمجتمعية الأعمق التي تُثني الشباب عن تكوين أسر.

أقرا أيضا.. بعد إدانتها بالاختلاس.. منع مارين لوبان من الترشح للرئاسة الفرنسية 2027

تغير النظرة إلى الأبوة والأمومة: الحاجة إلى نظرة إيجابية

تكمن جوهر هذه القضية في الصورة السلبية المحيطة بالأبوة والأمومة. فغالباً ما تُصوَّر تحديات الأبوة والأمومة في صورة قاتمة، إذ تُوصف بأنها عبء لا متعة.

فمن إرهاق الليالي التي لا ينام فيها الطفل إلى الضغوط المجتمعية المتمثلة في الموازنة بين العمل والحياة الأسرية، أصبح الخطاب المحيط بالأبوة والأمومة سلبياً للغاية. والنتيجة هي تردد العديد من الآباء والأمهات المحتملين، خوفاً من أن يفوق العبء العاطفي والجسدي لتربية الأطفال المكافآت المحتملة.

مع ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يختارون أن يصبحوا آباء وأمهات، فإن المكافآت كبيرة. فقد وجد استطلاع رأي حديث أجرته شركة يوجوف أن 91% من الآباء والأمهات سعداء بإنجاب أطفال، بينما أعرب 1% فقط عن ندمهم الشديد.

الأبوة والأمومة، رغم ما تحمله من تحديات بلا شك، تُتيح نموًا شخصيًا لا مثيل له، ومرونة، وشعورًا عميقًا بالإنجاز. فالأطفال، رغم ما يواجهونه من صعوبات، يُضفون على حياتهم فرحًا دائمًا وشعورًا بالهدف، وهم يُواصلون مسيرة إرث العائلة.

الحاجة إلى تغيير مجتمعي: دعم الآباء والأمهات الجدد

لا يُمكن معالجة أزمة الخصوبة إلا من خلال تغيير في المواقف المجتمعية ودعم أكبر للآباء والأمهات. يجب على الحكومات تقديم دعم أكبر للآباء والأمهات، سواء من خلال تحسين أنظمة رعاية الأطفال، أو زيادة مرونة العمل، أو تبني نهج ثقافي أكثر دعمًا لتربية الأطفال.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك إدراك جماعي لأهمية تربية الأطفال، ليس كعبء، بل كدور بالغ الأهمية ومُجزٍ في المجتمع.

في ظلّ احتمال حدوث تغيير ديموغرافي جذري، من الضروري تزويد شباب اليوم بالأدوات والدعم والتفاؤل اللازم لاتخاذ قرارات مدروسة بشأن الأبوة والأمومة. فبدلاً من الاكتفاء بتقديم حوافز مالية، يجب على المجتمعات تهيئة بيئة تُعتبر فيها تربية الأطفال جزءًا لا يتجزأ من الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى