لا قطارات ولا طائرات واحتجاجات ضخمة.. إضراب يشل حركة اليونان

القاهرة (خاص عن مصر)- بعد عامين من وقوع أخطر كارثة قطارات في اليونان، تشهد البلاد إضراب يشل حركة اليونان وموجة قوية من الاحتجاجات المطالبة بالمساءلة والإصلاحات.
ففي يوم الجمعة، تسبب الإضراب العام على مستوى البلاد في تعطيل القطاعات الرئيسية، وإيقاف الرحلات الجوية، وتوقف القطارات والعبارات، وإغلاق الخدمات العامة.
يعكس الإضراب، الذي نظمته نقابتا العمال الرئيسيتان في اليونان، الإحباط العميق إزاء التحقيق القضائي البطيء في المأساة التي أودت بحياة 57 شخصًا.
إضراب يشل حركة اليونان: أمة في حالة جمود
شهد الإضراب مشاركة واسعة النطاق من جانب العاملين في القطاعين العام والخاص، مما يمثل واحدة من أهم المظاهرات في اليونان منذ سنوات. وفي أثينا، نزل ما لا يقل عن 180 ألف شخص إلى الشوارع في مسيرة حاشدة.
كانت وسائل النقل العام محدودة، ولكن بعض الخدمات كانت تعمل لتسهيل الوصول إلى المظاهرات، وتأثرت المدارس والمستشفيات حيث انضم المعلمون والعاملون في مجال الرعاية الصحية وطواقم سيارات الإسعاف إلى الإضراب، في حين ألغت العديد من الشركات والفنانين الأنشطة تضامنًا.
أعرب المتظاهرون عن غضبهم إزاء ما يرون أنه إهمال حكومي ونقص في المساءلة. ويحمل الكثيرون السياسيين المسؤولية عن الحالة غير الكافية لنظام السكك الحديدية ويتهمون السلطات بالتستر على أدلة حاسمة.
قال الطالب نيكولاس كاتسامبانيس البالغ من العمر 19 عامًا، والذي فقد الثقة في نظام القطارات بعد نجاة شقيقة صديق مقرب من الحادث: “نحن بحاجة إلى إرسال رسالة إليهم. إنهم يكذبون بكل ما أوتوا من قوة”.
المأساة التي هزت اليونان
وقعت الكارثة في 28 فبراير 2023، عندما اصطدم قطار ركاب وقطار شحن وجهاً لوجه بالقرب من تيمبي، على طريق أثينا – سالونيك، وكان معظم الضحايا من الطلاب الشباب العائدين من عطلة نهاية الأسبوع.
في ذلك الوقت، عزت السلطات الحادث إلى خطأ بشري، مشيرة إلى خطأ في التوجيه من قبل رئيس المحطة، ولكن المسؤولين أقروا أيضا بوجود قضايا نظامية، بما في ذلك البنية الأساسية للسكك الحديدية القديمة والتأخير في تحديثات السلامة.
اندلع الغضب العام في أعقاب الحادث، مما أثار أياما من الاحتجاجات المطالبة بالعدالة وتحسينات السلامة في السكك الحديدية بشكل عاجل. ويؤكد الإضراب الأخير أن هذه المطالب لا تزال غير ملباة.
اقرأ أيضا.. أسواق الكاكاو البرية تدفع صناع الشوكولاتة التاريخيين في أوروبا إلى حافة الهاوية
التحقيق والمخاوف المتعلقة بالسلامة
أصدرت هيئة مستقلة للسلامة في السكك الحديدية والجوية مؤخرا تقريرا يسلط الضوء على عوامل متعددة ساهمت في الكارثة، ووفقا للنتائج، لعب التأخير في تركيب أنظمة الإشارات الإلكترونية والمراقبة عن بعد دورا حاسما، وتفاقم بسبب نقص الموظفين المزمن والتخفيضات المالية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية المطولة في اليونان.
كما انتقد التقرير السلطات لفشلها في توثيق موقع الحادث بشكل صحيح، الأمر الذي ربما أدى إلى فقدان أدلة حاسمة، وبينما لا يزال التحقيق القضائي جاريا، لم يخضع سوى مسؤولي السكك الحديدية – وليس السياسيين – للتدقيق، مما أدى إلى زيادة استياء الجمهور.
استجابة الحكومة والتشكك العام
يصر المسؤولون اليونانيون على أن تحسينات السلامة في السكك الحديدية قد تم إجراؤها منذ الحادث. صرح وزير البنية التحتية والنقل كريستوس ستايكوراس أنه تم تركيب أنظمة إشارات ومراقبة حديثة على طريق أثينا-سالونيك بعد الحادث.
ومع ذلك، اعترف بأن إعصارًا ألحق الضرر بهذه الأنظمة، مما جعلها تعمل جزئيًا فقط، وقال إن الإصلاحات ستكتمل بحلول عام 2026 كجزء من اتفاقية مع المفوضية الأوروبية لتعزيز تدريب عمال السكك الحديدية.
وعلى الرغم من هذه التأكيدات، لا يزال العديد من اليونانيين متشككين. يزعم المحتجون أن الفشل النظامي في الحكم والفساد يعيق التقدم الحقيقي.
الاحتجاجات الجماعية تتحول إلى عنف
بدأت مظاهرة أثينا سلمية في البداية، حيث تجمعت العائلات والمتقاعدون والطلاب تحت لافتات تطالب “بالعدالة” وتحث على معاقبة المسؤولين، وهتفت بعض المجموعات، “لن ننسى الجريمة أبدًا”، بينما كتب على لافتة يحملها تلاميذ المدارس، “العدالة الآن”.
ومع ذلك، اندلعت أعمال عنف في فترة ما بعد الظهر عندما اشتبك المتظاهرون المقنعون مع الشرطة، وألقوا القنابل الحارقة وحجارة الرصف.
ورد الضباط بإطلاق الغاز المسيل للدموع، مما أدى إلى مشاهد فوضوية حيث فر الناس من الدخان اللاذع. وأسفرت الاضطرابات عن اعتقال 41 شخصًا.
وفي خضم الفوضى، ترددت صيحات “القتلة!” في الشوارع. وأشار كثيرون إلى تسجيل صوتي انتشر على نطاق واسع للكلمات الأخيرة للضحية – “ليس لدي أكسجين” – كرمز لفشل الحكومة في منع المأساة.
نظام مكسور وانعدام الثقة المستمر
بالنسبة للعديد من الناس، فإن كارثة تيمبي تجسد الخلل الأوسع نطاقاً الذي تعاني منه الدولة اليونانية. تقول أثينا فاسيلوغلو، وهي طالبة تصوير تبلغ من العمر عشرين عاماً: “كل الإخفاقات، وكل الخلل، ملفوفة في حادثة مأساوية واحدة”.
ويظل آخرون متشككين بشأن احتمال التغيير الحقيقي، فقد أعرب ستيليوس ديليجيانيس، وهو مهندس صوت يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً، عن تشككه في التزام الحكومة بالإصلاح.
ويقول: “إن الدولة والبلد لا تلهمنا بأن نكون إيجابيين”. ومع ذلك، فإنه يظل متفائلاً بأن الحقيقة سوف تظهر في نهاية المطاف. “لا يمكن إخفاء الحقيقة إلى الأبد”.
إن الإضراب الواسع النطاق والاحتجاجات الجماهيرية بمثابة تذكير قوي بأن كارثة السكك الحديدية في اليونان تظل جرحاً مفتوحاً لشعبها، وإلى أن يتم تحقيق المساءلة الحقيقية وتنفيذ إصلاحات السلامة النظامية، فمن غير المرجح أن يهدأ الغضب الذي يغذي هذه المظاهرات.