لماذا يراهن خامنئي على ترامب وسط تراجع إيران في المحادثات النووية

منذ منتصف أبريل 2025، طرأ تحول جذري على الاستراتيجية الدبلوماسية وظهر تراجع إيران في المحادثات النووية.

وفقا لتحليل كتبه أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، في موقع فورين بوليسي، بعد سبع سنوات من تجميد العلاقات، قرر المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الدخول في مفاوضات نووية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

إعلان

هذا التحول، وإن كان مفاجئًا، إلا أنه ينبع من حاجة إيران الملحة لتجنب المزيد من الانهيار الاقتصادي وخطر الحرب. ورغم تاريخه في مقاومة السياسات الأمريكية، فإن حسابات خامنئي تميل الآن نحو الدبلوماسية، مُدركًا أن التعاون مع الولايات المتحدة قد يخدم المصالح الاستراتيجية لإيران – على الأقل إذا ظلت المحادثات ضمن الخطوط الحمراء لطهران.

تحول إيران في المحادثات النووية

في عام 2019، تعهد خامنئي بعدم التفاوض مع ترامب أبدًا، واصفًا إياه بازدراء بـ”ذلك الرجل”. بحلول عام 2025، تغير موقف القيادة الإيرانية. ففي مواجهة العقوبات المتزايدة والاضطرابات الاقتصادية وعدم الاستقرار الإقليمي، اختار خامنئي الدبلوماسية كوسيلة لتجنب المزيد من التصعيد.

بينما كان تحديه في الماضي رمزًا لنهج أكثر تشددًا، فإن الضغط على الاقتصاد الإيراني والتهديد الوشيك بالمواجهة العسكرية جعلا الدبلوماسية مسارًا أكثر جدوى.

تُظهر المحادثات الحالية، التي تُركز على ضمان عدم تطوير إيران لأسلحة نووية مع الحفاظ على أمنها، عملية موازنة معقدة. تُصر إيران على أنها لا تنوي صنع أسلحة نووية، بينما يسعى ترامب إلى منعها. ورغم عدم تحقيق اختراقات في الجولات الأخيرة من المحادثات، لا يزال زخم المفاوضات قائمًا، حيث يحرص الجانبان على تجنب المواجهة الشاملة.

حسابات دبلوماسية خامنئي

يعود قرار خامنئي بالانخراط في محادثات مع ترامب بشكل أساسي إلى عاملين: التهديد الوجودي الذي تواجهه إيران والدعم الشعبي الساحق للدبلوماسية. الإيرانيون، الذين سئموا العقوبات والصعوبات الاقتصادية، يؤيدون بشدة المفاوضات مع الولايات المتحدة.

أكثر من 80% من السكان يؤيدون مثل هذه المحادثات، معتبرينها شريان حياة محتمل للاقتصاد الإيراني المنهار. ومع ذلك، يواجه خامنئي مهمة دقيقة – إذ يجب عليه استرضاء كل من الفصائل البراغماتية داخل النظام، التي تؤيد الحوار، والفصيل المتشدد، الذي يعتبر أي تنازل للولايات المتحدة خيانة للثورة.

المتشددون، بمن فيهم بعض الفصائل داخل الحرس الثوري الإسلامي، متشككون بشدة في المفاوضات مع الولايات المتحدة، ويعتبرون مثل هذا الحوار خيانة للالتزامات الأيديولوجية للبلاد.

مع ذلك، فإن هؤلاء المتشددين أقلية، وقد أدار خامنئي المشهد السياسي بمهارة من خلال وضع نفسه كالحكم النهائي في المسار الدبلوماسي لإيران. بتأييده للمحادثات، لم يقم خامنئي بقمع المعارضة الداخلية فحسب، بل جعل أيضًا أي معارضة للمفاوضات تحديًا لقيادته.

دور الحرس الثوري الإيراني في المفاوضات

يلعب الحرس الثوري الإيراني، الذي يُسيطر على البنية التحتية العسكرية والنووية الإيرانية، دورًا محوريًا في صياغة السياسة الخارجية الإيرانية. ورغم انحيازه التاريخي لموقف النظام المتشدد، إلا أنه يُشارك خامنئي اهتمامه بتجنب الحرب.

بالنسبة للحرس الثوري الإيراني، لا تُمثل المفاوضات مع الولايات المتحدة تحولًا أيديولوجيًا، بل خطوة استراتيجية لتجنب تصعيد الصراع والحفاظ على النفوذ الاستراتيجي لإيران. ورغم أن الحرس الثوري الإيراني لم يُعلن تبنيه لفكرة الانفراج، إلا أن قيادته تبدو مستعدة للمشاركة في المحادثات طالما تُحترم الخطوط الحمراء الأساسية لإيران.

وأوضح مكتب خامنئي أنه في حين يدعم الحرس الثوري الإيراني المحادثات، فإنه يبقى “على أهبة الاستعداد” ومستعدًا للتحرك في حال فشل المفاوضات. هذا النهج المزدوج – الذي يجمع بين الدبلوماسية والردع العسكري – يُمكّن خامنئي من إدارة كلٍّ من الفصائل الداخلية في إيران والضغوط الخارجية من الولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا.. رفع العقوبات عن سوريا.. هل يتعافى اقتصاد دمشق قريبًا أم أنها خطوة تتبعها آلاف الخطوات؟

مؤيدو الدبلوماسية في مواجهة المنتقدين المتشددين

في إيران، يرى المعسكر المؤيد للانخراط، بقيادة شخصيات مثل وزير الخارجية عباس عراقجي والرئيس مسعود بزشكيان، أن المحادثات فرصة لإنعاش الاقتصاد الإيراني.

يدفع هؤلاء القادة باتجاه اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة قد يُفضي إلى تخفيف العقوبات، لا سيما في قطاعات مثل البنوك والطاقة والتجارة. وتُعدّ الآفاق الاقتصادية للاتفاق مُلفتة للغاية بالنسبة لطبقة رجال الأعمال الإيرانيين المُحاصرين وعامة الناس، الذين يتوقون إلى إعفاء من العقوبات المُنهكة.

مع ذلك، لا تزال الفصائل المتشددة، بما في ذلك شخصيات نافذة مثل سعيد جليلي، تعارض بشدة التعامل مع الولايات المتحدة. ويجادل هؤلاء المتشددون بأن الولايات المتحدة ليست شريكًا جديرًا بالثقة، وأن أي اتفاق مع ترامب سيكون تنازلًا مبالغًا فيه.

تُعد إدارة خامنئي الحذرة لهذا الفصيل أمرًا بالغ الأهمية. فمن خلال دعمه العلني للمحادثات مع الحفاظ على مسافة معينة من الولايات المتحدة، نجح خامنئي في تجاوز الانقسام الأيديولوجي، مما أجبر المنتقدين على إما دعم المفاوضات أو المخاطرة بتحدي سلطته بشكل مباشر.

الضغط الاقتصادي: الدافع وراء الدبلوماسية

يعاني الاقتصاد الإيراني من ضائقة مالية خانقة. تواجه البلاد ارتفاعًا حادًا في التضخم، وارتفاعًا في البطالة، وأزمة طاقة متفاقمة، على الرغم من احتياطياتها الضخمة من النفط والغاز. وكان تأثير العقوبات الأمريكية مدمرًا، وهناك إدراك متزايد داخل القيادة الإيرانية بأن الاتفاق النووي يمكن أن يخفف بعض هذه الضغوط.

في حال نجاح المحادثات، فقد تُفرج عن مليارات الدولارات من الأصول المجمدة، وتُثبت قيمة الريال الإيراني، وتُعيد الوصول إلى الأسواق العالمية. مع ذلك، لا يزال خامنئي حذرًا بشأن رفع سقف التوقعات.

فرغم أهمية الفوائد الاقتصادية للاتفاق، فقد حذّر من أن حتى الاتفاق الناجح لن يُسفر عن تخفيف شامل للعقوبات فورًا. تُدرك قيادة النظام أن رفع العقوبات سيكون عملية بطيئة، وهي تعمل على إدارة توقعات الجمهور بعناية.

إعلان
زر الذهاب إلى الأعلى