محمود بكري يكتب.. سقوط باريس وانبعاث الوثنية الجديدة بـ«أولمبياد السامري»
سقطت باريس وهي تحاول بعث الوثنية الجديدة الخاصة بالقرن الـ21 يوم الجمعة الماضية، خلال حفل افتتاح «أولمبياد السامري»، والذي كان متوقعًا له أن يكون زين أعراس الأحداث الرياضية لعام 2024.
محمود بكري يكتب.. سقوط باريس وانبعاث الوثنية الجديدة
وانتظر العالم الحفل المنشود، أن يكون مباراة فنية متناغمة في الموسيقى والإبهار والعروض الراقصة، بأيدي أمهر الفنانين بفرنسا وكل بقاع الأرض.. غير أن المفاجأة أعادت إلى الأذهان أشد الذكريات سوءاً كفاجعة هيروشيما ومحارق الهولوكست.
فطالع الناس وجوهًا ممسوخة، وأجسادًا عارية ملطخة بالألوان وهي تجتهد لإقناع المشاهدين بأن ما يقدموه إبداعًا ممتعًا وفنًا مميزًا بسهرة ستخلد بالذاكرة، في ليلة لا تمت للرياضة ولا للأخلاق والقيم بصلة.
فتاهت المبادئ الأولمبية والروح الرياضية، وسط صخب الدعوات عبر الاستعراض الجهنمي إلى الانحرافات الجنسية الصريحة، والإلحاد بالعقائد السماوية، والترويج لمناهج شيطانية جديدة.. تكن عنوانًا وطريقًا للعالم فيما هو مقبل عليهم، ومن يرفض ذلك يعتبر رجعيًا مختلاً ومحاربًا لحضارتهم.
خيانة الأمانة واللعب على وتر الحرية الكاذبة
كل من شارك بهذا الحفل، أيًا كان توجهه ومعتقده خان الأمانة والعقد الذي يربط المشاهد بمقدم المحتوى، وعلى رأسهم اللجنة الأولمبية الدولية، فلا يصح بأي حال أن نقنع أطفالنا بالجلوس إلى جوارنا للاستمتاع بليلة تاريخية ومسلية تحت مظلة “الرياضة”، ثم نجد رجلاً يقبل آخر من بني جنسه في مشهد مقزز ومثير للغثيان، في توجيه وتشكيل صريح لشخصية الصغار وهويتهم الجنسية، وهم لا يزالون يكتشفون العالم من حولهم، ويتعلمون العلوم النافعة، ثم يتم السخرية من الدين المسيحي، أكبر الديانات في أوروبا، دون مراعاة لمشاعر معتنقيه.. فعن أي حرية يتحدثون؟
كل ذلك، ظهر على شاشة القنوات التليفزيونية العادية المفتوحة للجميع، دون اقتصاره على فئات عمرية محددة.. مما يعني أن القائمين على الحدث من الناحية الإعلامية، يفتقرون لأدنى مراتب الاحترافية في عملهم.
تشكيل جديد لمناهج العالم برعاية السامري في مدينة الظلام!
ورعى هذه الاحتفالية اللامباركة، سامري الألفية الجديدة إيمانويل ماكرون، رئيس جمهورية فرنسا، على أرض مدينة الظلام باريس، ليزف للعالم أجمع أسوء الأخبار، ويخطرهم بدون “لف ودوران”، بما تم التخطيط له ليكون المذهب الحياتي الجديد المنتظر اعتناقه للبشرية كلها، ضاربًا بقدسية الحرية عرض الحائط، رغم صراخه هو وأتباعه ليل نهار بشأن التضييق على الأفكار ومصادرة الحقوق في الحياة.. ولكن الكيل بمائة مكيال كان دومًا عنوانه مستخدمًا عصا موسى.
وغالبًا ما تحتوي حفلات افتتاح المناسبات الرياضية الكبرى، وتتقدمها دورات الألعاب الأولمبية، على رسائل قيمة للغاية، أهمها نبذ العنصرية، والتشجيع على الحرية، واحترام الآخر والأخوة، وتقديس الأرواح والتعايش السلمي، وترسيخ الحب والسعي إلى السعادة.. وهو ما غاب تمامًا عن حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024.
اقرأ أيضًا.. انفجار الذكاء الاصطناعي.. 10 شركات ناشئة تهز العالم
غياب ذكر فلسطين وما يتعرضون له على أيدي الصـ هاينة
وشهدت مناسبات رياضية سابقة، الترويج لأفكار رائعة من شأنها رفع الظلم عن المظلومين والتضامن معهم، مثلما حدث في حفلات افتتاح وفعاليات بطولات بمختلف الألعاب، منها الرفض العالمي للحرب الروسية على أوكرانيا، وضرورة إنهاء هذا العدوان بأسرع وقت ممكن.
وعندما يتعلق الأمر بفلسطين، وما يقاسيه أهل غزة في حرب الإبادة الجماعية، يصمت الجميع ويطول السكوت، بل تصل بهم السفالة لأكثر من ذلك، وهو اتهام الضعفاء من أصحاب الأرض المظلومين بتهم الإرهـ اب والوقوف إلى جوار القـ تلة من الصـ هاينة.. وهذا ما حدث في باريس تمامًا منذ يومين.
توحد العالم وتمسكه بالخير هو السـ لاح لمواجهة المنهج الجديد
الصورة ليست سوداء بشكل كامل، فقد توحد العالم بمختلف معتقاداته وثوابته وأفكاره وميوله، بعد الضجة التي أحدثها حفل العار، ممن يتمتعون بالفطرة السليمة وكفى، دون النظر لأي نقاط خلافية أخرى، رافضين لما جرى بشكل قاطع، مع تمسكهم بخيوط الحرية.
اقرأ أيضًا.. أهم العلامات الفندقية العالمية التي أعلنت عن تواجدها بمصر مؤخرًا
فالجميع حر طالما لم يضر، من منطلق أن حريته تنتهى عند حرية الآخرين، فلكل إنسان الحق في اختيار معتقده وتوجهاته وإيمانه بأي شئ كان، حتى في رفضه لمقدسات غيره وثوابته دون اعتداء، وفي سلوكياته وتفضيلاته الجنـ سية والحياتية طالما أنه لم يجبر أحدًا عليها.. فقط فطرة سليمة وكفى.