مسقط تتحرك بهدوء نحو شمال إفريقيا.. ماذا تريد عمان من تونس؟

قام وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي بزيارة إلي دولة تونس التقي خلالها الرئيس قيس سعيد بحضور وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي، في لقاء لم يخلُ من الرسائل السياسية والاقتصادية.

وأفادت وزارة الخارجية العُمانية بأن الجانبين أكدا على “العلاقات الثنائية الوطيدة” وضرورة تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة.

وأكدت وكالة الأنباء العُمانية أن الجانبين شددا على أهمية توسيع التعاون في المجالات كافة، وخاصة الاقتصادية، بما يعكس توجهاً جديداً لتفعيل الشراكة على أسس واقعية.

تحركات سلطنة عمان في شمال إفريقيا

وعكست زيارة وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي إلى تونس لم تكن مجرد محطة بروتوكولية في روزنامة العلاقات الثنائية، بل عكست توجهاً استراتيجياً لعُمان نحو توسيع حضورها في شمال أفريقيا، ضمن مسعى مدروس لبناء شراكات اقتصادية وسياسية متقدمة مع دول المغرب العربي.

الزيارة، التي جاءت بعد تحركات مماثلة في الجزائر والمغرب، تمثل جزءاً من سياسة خارجية عمانية أكثر انفتاحاً، تنسجم مع رؤية السلطان هيثم بن طارق لتنويع الاقتصاد العُماني والارتقاء به إلى مصاف الاقتصادات الإقليمية المؤثرة.

مشاورات ثنائية بين عمان وتونس

وأجرى الوزير العُماني مشاورات سياسية موسعة مع نظيره التونسي بمقر وزارة الخارجية، تناولت مختلف جوانب العلاقة بين البلدين، من التاريخ المشترك إلى الفرص المستقبلية. وتضمنت المحادثات ملفات سياسية واقتصادية وثقافية، إلى جانب قضايا إقليمية ودولية.

وبحسب بيان الخارجية، فقد ركز اللقاء على “تنمية فرص الاستثمار” و”دفع التعاون في مجالات التجارة والنقل والسياحة والطاقة المتجددة والصناعة والتكنولوجيا”، مع التأكيد على دور القطاع الخاص في البلدين كرافعة للتعاون.

شمال أفريقيا بوابة عُمان الجديدة

زيارة بدر البوسعيدي لتونس تأتي ضمن رؤية عمانية أشمل تهدف إلى ترسيخ وجود السلطنة في شمال أفريقيا، ليس فقط كقوة دبلوماسية محايدة، بل كشريك اقتصادي فاعل.

وتشير تحركات عُمان الأخيرة في الجزائر والمغرب إلى رغبة حقيقية في توظيف الروابط الثقافية والدينية، خاصة عبر المذهب الإباضي، كجسر للتقارب مع مجتمعات المغرب العربي.

لكن هذه العلاقة لم تعد قائمة على الإرث الثقافي فحسب، بل تتجه نحو إقامة تحالفات اقتصادية قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والتحولات الجيوسياسية.

مسقط بعد 2020… الاقتصاد أولاً

منذ صعود السلطان هيثم بن طارق إلى الحكم، بدأ تحول تدريجي في السياسة الخارجية العُمانية، يضع الشأن الاقتصادي في صدارة الأولويات. ويبدو أن شمال أفريقيا باتت تمثل سوقاً واعدة وفرصة استراتيجية لمسقط في قطاعات مثل الطاقة، الصناعات التحويلية، الزراعة، واللوجستيات.

وتُعد تونس هدفاً مناسباً لهذه الرؤية، في ظل ما تعانيه من تحديات اقتصادية ومالية تجعلها في أمسّ الحاجة إلى شركاء جدد. وتعمل عُمان على استغلال هذا الظرف، من خلال فتح قنوات استثمارية وتشجيع التبادل التجاري والتقني.

أفق جديد بين عمان وتونس

تشير البيانات الرسمية إلى أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين لا يتجاوز 36 مليون دولار سنوياً، رغم وجود أكثر من 30 اتفاقية تعاون ثنائي. وهو ما يعتبره مراقبون “فجوة قابلة للردم” إذا ما توافرت الإرادة السياسية والدعم الحكومي لتطوير أدوات التعاون وتذليل العقبات الإجرائية.

وقد شهدت الأشهر الماضية زيارة وفود اقتصادية عمانية إلى تونس لاستكشاف فرص التعاون، شملت مجالات حيوية مثل الصناعات الغذائية، البناء، الزجاج، والاستثمار السياحي والتراثي. كما أعلنت مسقط عن مبادرات لجذب استثمارات تونسية، ضمن رؤية تقوم على التنمية المتبادلة.

تونس منفتحة على الشراكة الجديدة مع عمان

في المقابل، يبدو أن تونس، الباحثة عن شركاء استراتيجيين بعيداً عن المحاور التقليدية، منفتحة على الديناميكية العُمانية. ويشير مراقبون إلى أن الخصوصية التي تتميز بها السياسة الخارجية العُمانية – المتزنة والمستقلة – تجعلها شريكاً مثالياً لتونس في مرحلة إعادة هيكلة علاقاتها الاقتصادية.

وترى دوائر اقتصادية في تونس أن عُمان يمكن أن تشكل بوابة جديدة للمنتجات التونسية نحو الخليج وآسيا، مقابل فتح السوق التونسية أمام الاستثمارات العُمانية في قطاعات مستدامة.

إعادة صياغة الدور العُماني عربياً

وفق مراقبون تشير هذه الزيارة، وما سبقها من تحركات، إلى أن عُمان بصدد إعادة رسم علاقاتها العربية من منظور جديد، قوامه الشراكات الاقتصادية والمصالح المتبادلة، بعيداً عن الاستقطابات السياسية أو الإيديولوجية.

ومع تزايد التحديات الإقليمية، يبدو أن مسقط تراهن على بناء شبكة تحالفات اقتصادية مرنة في محيطها العربي، تعزز مكانتها الدولية وتفتح أمامها آفاقاً جديدة للنمو.

اقرأ أيضا

مهلة لتسليم نفسه.. هل تنجح حماس في إنهاء ميليشيا ياسر أبو شباب؟

زر الذهاب إلى الأعلى