مفاعل نطنز في مرمى نيران إسرائيل.. هل تفشل إيران في حماية قلب برنامجها النووي؟

مع اشتعال الحرب بين إيران وإسرائيل، تصاعدت المخاوف الدولية من استهداف المنشآت النووية الإيرانية، وفي مقدمتها مفاعل نطنز، الذي يُعد مركز الثقل في برنامج طهران لتخصيب اليورانيوم، وهدفًا دائمًا للعمليات الإسرائيلية السرية والعلنية.

ويقع مفاعل نطنز في منطقة نائية بمحافظة أصفهان، على بعد نحو 250 كيلومتراً جنوب العاصمة طهران. يُحيط به تضاريس جبلية وصحراوية توفر له حماية طبيعية نسبية، إضافة إلى منشآت مدفونة جزئيًا تحت الأرض بعمق يصل إلى 20 مترًا، ومدعّمة بالخرسانة والحديد لمقاومة أي هجوم خارجي.

يمتد المفاعل على مساحة تقارب 100 ألف متر مربع، ضمن مجمع تبلغ مساحته الإجمالية نحو 7 كيلومترات مربعة، وهو ما يجعل من نطنز أحد أكبر مواقع تخصيب اليورانيوم في الشرق الأوسط.

بدايات سرّية لـ مفاعل نطنز

بحسب تقارير بدأت إيران بناء منشأة نطنز في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ضمن خطتها لتطوير بنية تحتية نووية متكاملة. لكن وجود المنشأة لم يُكشف للعالم إلا عام 2002، حين أعلنت جماعة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة عن موقعها.

الضجة التي أعقبت الكشف دفعت طهران للاعتراف الرسمي بوجود المنشأة، وفتحت أبوابها أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2003، في وقت كانت فيه إيران ترفع وتيرة تخصيب اليورانيوم، ما أثار شكوكًا متزايدة حول نواياها النووية.

تطور المعدات والتخصيب في مفاعل نطنز

تخصصت منشأة نطنز منذ البداية في تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي، بدايةً من طراز “IR-1″، وهي نسخ حصلت عليها طهران من شبكة السوق السوداء التي أنشأها العالم الباكستاني عبد القدير خان.

مع مرور الوقت، بدأت إيران في تركيب نماذج أكثر تطورًا، مثل “IR-2m”، و”IR-4″، و”IR-6″، بهدف زيادة كفاءة الإنتاج. ووفقًا للاتفاق النووي عام 2015، وافقت طهران على تقليص أنشطتها في نطنز، وخفض مستوى التخصيب إلى 3.67%، وهو أقل بكثير من المستوى المطلوب للأسلحة النووية.

لكن بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018، استأنفت إيران أنشطتها في المفاعل، ورفعت نسبة التخصيب تدريجيًا حتى وصلت إلى نحو 60%، في تحدٍ مباشر للتحذيرات الغربية، واقتراب واضح من عتبة الاستخدام العسكري الذي يتطلب 90%.

منشأة نطنز في مرمى النيران

تعرضت منشأة نطنز لسلسلة من الهجمات المعقدة منذ بداية الألفية، في سياق صراع طويل يدور في الظل حول البرنامج النووي الإيراني.

في عام 2010، استخدم فيروس إلكتروني متطور يُعرف باسم “Stuxnet” لضرب نظم التحكم داخل المنشأة، ما أدى إلى تدمير قرابة 1000 جهاز طرد مركزي، وتأخير برنامج التخصيب الإيراني عدة أشهر. وقد نسب الخبراء الفيروس إلى تعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي يوليو 2020، وقع انفجار غامض في ورشة تجميع أجهزة الطرد المتقدمة داخل نطنز، وصفته طهران بأنه “عمل تخريبي”، وسط اتهامات مباشرة لإسرائيل.

وفي أبريل 2021، تعرضت المنشأة لانقطاع مفاجئ في التيار الكهربائي أدى إلى تعطيل معدات رئيسية، وأشارت تقارير استخباراتية حينها إلى اختراق داخلي وتورط محتمل للموساد.

أما في سياق الحرب المفتوحة الحالية بين إيران وإسرائيل، فقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن غارة جوية إسرائيلية استهدفت مجمع نطنز بشكل مباشر، وألحقت أضراراً كبيرة بمحطة تخصيب اليورانيوم، ما أدى على الأرجح إلى تدمير عدد من أجهزة الطرد المركزي بعد تضرر شبكة الكهرباء المرتبطة بها.

محاولات إيرانية لتحصين “القلب النووي”

أمام تكرار الهجمات، سعت إيران إلى تعزيز الحماية حول مفاعل نطنز، رغم كونه مدفونًا جزئيًا تحت الأرض. إلا أن الخبراء يعتبرونه أقل تحصينًا من منشأة “فوردو”، المدفونة داخل الجبال، والتي يصعب استهدافها حتى بأقوى القنابل الخارقة للتحصينات.

وتشير التقارير إلى أن إيران بدأت بالفعل في توسيع منشآتها النووية داخل الجبال المحيطة بنطنز، من خلال بناء مراكز جديدة على أعماق أكبر، وتحديث الدفاعات الجوية، وتوزيع أجهزة الطرد المركزي على مواقع متعددة لتقليل الخسائر في حال أي استهداف ناجح.

لكن رغم هذه الجهود، يرى المراقبون أن منشأة نطنز ستبقى هدفًا مفضلًا لإسرائيل، التي تعمل باستمرار على تطوير قدراتها التكنولوجية والعسكرية لاستهداف المواقع النووية المحصّنة، بما في ذلك القنابل الخارقة للتحصينات والطائرات دون طيار عالية الدقة.

اقرأ أيضا.. اغتيال خامنئي.. كيف تستعد إيران لفكرة غياب المرشد وما الخيارات المطروحة لخلافته؟

زر الذهاب إلى الأعلى