من مخيمات إدلب إلى قصور الأسد.. ماذا حقق الشرع بعد 6 أشهر في رئاسة سوريا؟

في مشهد لم يكن أكثر المتفائلين يتخيله قبل سنوات، انتقل أحمد الشرع، الملقب سابقًا بـ”أبو محمد الجولاني”، من زعيم لفصيل مسلح في إدلب إلى رئيس انتقالي لـ سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر.

خلال الأشهر الستة الأولى من حكمه، تمكن الشرع من تحقيق اختراقات دبلوماسية مفاجئة ورفع جزئي للعقوبات الدولية، لكنه لا يزال يواجه تحديات هائلة داخليًا وخارجيًا قد تحدد مصير المرحلة الانتقالية.

الشرع في سوريا..نجاح خارجي وتحديات داخلية

حظي الشرع منذ الأيام الأولى لانتقاله إلى دمشق باعتراف سياسي ضمني من عدد من القوى الكبرى، بعد تعهده بضمان “مرحلة انتقالية مستقرة” مدتها خمس سنوات.

وبالفعل، تمكن من استقطاب اهتمام المجتمع الدولي ورفع بعض العقوبات الأمريكية والأوروبية، مما أعاد تحريك عجلة الاقتصاد جزئيًا، وفتح الباب أمام تدفق بعض السلع والخدمات.

الشرع والملف الطائفي في سوريا

وفق تقارير شهدت الأشهر الأولى من حكم الشرع موجة من العنف الطائفي، طالت الأقلية العلوية وأودت بحياة أكثر من 1700 شخص خلال يومين فقط، كما تكررت لاحقًا هجمات استهدفت الدروز.

هذه الحوادث وضعت القيادة الانتقالية في مأزق حقيقي، وطرحت تساؤلات حول قدرة الشرع على ضمان أمن الأقليات وبناء عقد اجتماعي جديد.

الشرع والخلاف مع الأكراد حول اللامركزية في سوريا

يبقى الخلاف مع الأكراد في شمال شرق سوريا واحدًا من أبرز ملفات المرحلة الانتقالية. فقد أعلنت الإدارة الذاتية الكردية تمسكها بصيغة حكم لا مركزي يضمن استمرار مؤسساتها، وهو ما ترفضه السلطة المركزية في دمشق.

 تفكيك الأجهزة الأمنية في سوريا

أقدم الشرع على خطوة غير مسبوقة بحل معظم أجهزة الأمن والجيش التابعة للنظام السابق، في محاولة لتأسيس مؤسسات أمنية جديدة أكثر مهنية. لكن هذه الخطوة رافقتها تحديات كبرى، أبرزها تفلت بعض الفصائل المسلحة، واستمرار نشاط جماعات متشددة ضمن مناطق النفوذ السابقة. وزادت المخاوف الدولية من عجز الشرع عن ضبط هذه الفصائل، خصوصًا في ضوء تصاعد حوادث العنف الطائفي.

وردًا على ضغوط أمريكية، أفادت تقارير بأن الحكومة المؤقتة وجهت رسالة إلى واشنطن تتعهد فيها “تجميد ترقيات المقاتلين الأجانب”، في محاولة لطمأنة المجتمع الدولي.

الشرع وملف داعش والمقاتلين الأجانب في سوريا

تواجه الحكومة الانتقالية معضلة حقيقية تتعلق بعشرات آلاف المحتجزين من مقاتلي “داعش” وعائلاتهم، الموجودين لدى قوات سوريا الديمقراطية. ولا تملك دمشق الجديدة القدرة اللوجستية ولا الأمنية لتسلمهم، بينما ترفض الدول الغربية إعادتهم.

في الوقت نفسه، فإن وجود آلاف المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب فصائل المعارضة، يمثل عبئًا سياسيًا وأمنيًا. فالشرع لا يستطيع التخلي عنهم تمامًا، ولا يمكنه دمجهم دون مخاطرة، مما يبقي الملف مفتوحًا ومعقدًا.

 رفع العقوبات لا يكفي وحده

ورث الشرع اقتصادًا منهارًا بكل المقاييس. أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، والعملة المحلية فقدت معظم قيمتها، والمرافق العامة مدمرة. ورغم تحسن نسبي في توفر الوقود والسلع الأساسية، لا يزال الوضع المعيشي صعبًا.

ووفق الخبير الاقتصادي كرم الشعار، فإن “رفع العقوبات خطوة مهمة، لكن التعافي الاقتصادي يتطلب بنية تشريعية واستثمارية واضحة، وهو ما تفتقر إليه السلطة الجديدة حتى الآن”.

وأعلنت الحكومة أنها تعمل على تحديث قوانين الاستثمار، وإنشاء بيئة جاذبة لرؤوس الأموال الخارجية، مع التركيز على مشاريع البنية التحتية والكهرباء والتعليم، في محاولة لتشجيع عودة ملايين اللاجئين.

الشرع وملف التطبيع مع إسرائيل

وضعت واشنطن وحلفاؤها رفع العقوبات وربما دعم مالي مباشر في كفة، مقابل تقدم دمشق في ملف التطبيع مع إسرائيل. لكن التصعيد العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري، واستمرار الغارات الجوية، جعلت الحديث عن التطبيع في نظر مراقبين “خارج السياق”. وتفيد مصادر بأن مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين تدور برعاية أوروبية، تهدف إلى احتواء التصعيد لا أكثر.

الشرع بين الواقعية والطموح

وفق مراقبون فإنه بعد ستة أشهر في الحكم، لا يمكن إنكار أن الشرع نجح في كسر العزلة الدولية وتجنب انهيار شامل للدولة، لكن الأزمات البنيوية لم تُحل بعد. من إدارة التنوع السوري، إلى الأمن، إلى الاقتصاد، إلى العلاقة مع الأكراد، مرورًا بملفات المقاتلين الأجانب والتطبيع، يبدو أن الشرع يقود مركبًا مثقلاً بتحديات متشابكة، تتطلب منه أكثر من مجرد خطاب سياسي مرن.

لكن يبقى السؤال الأهم: هل ينجح في تحويل موقعه من فصيل مسلح إلى رجل دولة جامع؟ الجواب لا يزال معلّقًا حتى إشعار آخر.

اقرأ أيضا: عرض أمريكي جديد لـ إيران…هل تستسلم دولة المرشد لإغراءات “الشيطان الأكبر”؟

زر الذهاب إلى الأعلى