موجة صعود تاريخية.. لماذا يواصل سعر الذهب تحطيم الأرقام القياسية؟

القاهرة (خاص عن مصر)- استمر ارتفاع سعر الذهب ليصل إلى مستويات قياسية، متجاوزًا مؤخرًا 2900 دولار للأوقية، مع زيادة بنسبة 12٪ هذا العام بالإضافة إلى ارتفاع بنسبة 27٪ في عام 2024، يراقب المستثمرون والمحللون عن كثب ارتفاع المعدن النفيس المستمر، ويتوقع العديد من الخبراء مكاسب أكبر في المستقبل.

لقد جعل دور الذهب كأصل آمن منه استثمارًا رئيسيًا في أوقات الاضطرابات العالمية، ومع ذلك، فإن الارتفاع الحالي فريد من نوعه، لأنه يتزامن مع أسواق الأسهم المرتفعة القياسية وسوق العمل المستقرة.

يستشهد المحللون بالمخاوف بشأن سياسات التجارة الأمريكية ومخاوف التضخم وعدم الاستقرار الجيوسياسي كدوافع رئيسية وراء الطلب غير المسبوق على الذهب.

سياسات ترامب تغذي ارتفاع سعر الذهب

منذ بداية الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، كان ارتفاع سعر الذهب مستمرا، وقد أدت المخاوف بشأن موقف إدارته من التعريفات الجمركية وسياسات الترحيل إلى تفاقم المخاوف بشأن التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي، مما دفع المستثمرين إلى اللجوء إلى الذهب كتحوط.

قال جيوفاني ستونوفو، محلل السلع الأساسية في يو بي إس: “هناك بحث عن أصول تعتبر غير مرتبطة بأسواق أخرى، الذهب ليس مثاليًا لهذا الغرض، لكن المستثمرين يعتقدون أن الآن هو الوقت المناسب للاحتفاظ به”.

كما أضاف خطاب ترامب بشأن الذهب إلى رؤيته. ففي يوم الأربعاء، صرح بأن المسؤولين من إدارته سوف يتفقدون فورت نوكس، القاعدة العسكرية التي تضم نصف احتياطيات وزارة الخزانة من الذهب، “للتأكد من وجود الذهب هناك”، وطمأن وزير الخزانة سكوت بيسنت الجمهور في وقت لاحق بأن الاحتياطيات سليمة.

اقرأ أيضا.. مزاد قاسٍ.. رأي الأوكرانيين في محادثات السلام بين ترامب وبوتين

مخاوف الحرب التجارية تدفع المستثمرين نحو الذهب

هدد ترامب بفرض تعريفات “متبادلة” على شركاء تجاريين رئيسيين للولايات المتحدة، مما أثار مخاوف بشأن حرب تجارية عالمية محتملة، في استطلاع حديث أجراه بنك أوف أميركا، حدد أغلبية مديري الصناديق العالمية الذهب باعتباره أفضل الأصول أداءً في حالة نشوب صراع تجاري واسع النطاق.

وقالت لويز ستريت، الاستراتيجية في مجلس الذهب العالمي، “إن تأثير التعريفات الجمركية على التضخم والنمو الاقتصادي لعب دورًا في تعزيز نقاط قوة الذهب”.

كما أدت المخاوف من التعريفات الجمركية على واردات الذهب إلى تخزينه في الولايات المتحدة، فقد زاد المخزون في بورصة السلع الأساسية (COMEX) في نيويورك بأكثر من 70٪ منذ بداية العام. ورفع بنك UBS مؤخرًا توقعاته للذهب، متوقعًا أن يصل إلى 3000 دولار للأوقية بحلول نهاية عام 2025.

الاختناقات اللوجستية تدفع الأسعار إلى الارتفاع

تعطلت تجارة الذهب عبر الأطلسي حيث تجاوز الطلب في نيويورك العرض من لندن، المركز العالمي لتجارة الذهب المادي. وعادة ما تظل أسعار الذهب ثابتة بين المدينتين، لكن المخاوف بشأن التعريفات الجمركية أدت إلى توسيع هذه الفجوة.

إن نقل الذهب مكلف ومعقد بسبب متطلبات الأمن والقيود المفروضة على الوزن، وتعاني الخزائن الكبيرة، مثل تلك الموجودة في بنك إنجلترا، من تأخيرات في الشحنات حيث يتم صهر الذهب وإعادة تشكيله لتلبية معايير كومكس قبل شحنه إلى الولايات المتحدة.

وقد شهدت المصافي السويسرية، التي تلعب دورًا حاسمًا في معالجة الذهب للأسواق الدولية، تضاعف صادراتها إلى الولايات المتحدة ثلاث مرات في الأشهر الأخيرة.

وقد علق ديف رامسدين، نائب محافظ بنك إنجلترا، مؤخرًا على التحديات اللوجستية، مشيرًا إلى التأخير في شحنات السبائك ولكنه مطمئن إلى أن مستويات مخزون الذهب الإجمالية تظل مستقرة.

البنوك المركزية تسرع عمليات شراء الذهب

إلى جانب الطلب من جانب المستثمرين، تعمل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على زيادة احتياطياتها من الذهب بمعدل غير مسبوق، منذ عام 2022، اشترت البنوك المركزية العالمية أكثر من 1000 طن متري من الذهب سنويًا، وهو الاتجاه المتوقع أن يستمر في عام 2025.

رفعت جولدمان ساكس مؤخرًا توقعاتها لأسعار الذهب إلى 3100 دولار للأوقية، مشيرة إلى الطلب المستمر من البنوك المركزية التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، كانت دول مثل بولندا والصين والهند وتركيا من بين المشترين الأكثر عدوانية.

قال آدم جلابنسكي، محافظ البنك المركزي البولندي: “في بولندا، لم تعمل هذه المشتريات على زيادة هيبة البنك المركزي فحسب، بل حسنت أيضًا الأمن المالي للبلاد في مواجهة التوترات الجيوسياسية”.

الذهب كتحوط ضد العقوبات المالية

عزز المشهد الجيوسياسي جاذبية الذهب كأصل استراتيجي، في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، أدت العقوبات الغربية إلى تجميد جزء كبير من احتياطيات روسيا الأجنبية، مما أثار مخاوف بين الدول الأخرى بشأن أمن حيازاتها من الدولار الأمريكي.

وأوضح ستونوفو من يو بي إس أن “هذا الأمر أثار مخاوف بين البنوك المركزية والحكومات من احتمال أن تصبح الهدف التالي. وهذا عامل رئيسي وراء ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية”.

مستقبل أسعار الذهب

مع استمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسي، والحروب التجارية المحتملة، واستمرار البنوك المركزية في جمع الذهب، لا تظهر موجة ارتفاع أسعار الذهب أي علامات على التباطؤ.

وسوف يراقب المستثمرون وصناع السياسات على حد سواء عن كثب بينما يستمر الذهب في ترسيخ مكانته باعتباره الملاذ الآمن النهائي في اقتصاد عالمي لا يمكن التنبؤ به.