هبوط أسعار النفط يوقف صفقات بـ60 مليار دولار.. ماذا يعني ذلك لعمالقة الخليج؟

تتجه شركتا أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، أكبر منتجي النفط في الخليج، إلى تقليل وتيرة صفقاتهما الاستحواذية المتعددة المليارات بعد تراجع أسعار النفط الخام.

ففي السنوات الثلاث الماضية، قادت هاتان الشركتان العملاقتان في قطاع الطاقة موجة صفقات بقيمة 60 مليار دولار لتنويع استثماراتهما بعيدا عن الاعتماد على النفط الخام فقط، لتشمل الغاز والكيماويات ومواد التشحيم. ومع ذلك، أجبرهما الانخفاض الأخير في أسعار النفط على إعادة النظر في وتيرة توسعهما.

انخفاض أسعار النفط الخام وتأثيره على إبرام الصفقات

ووفقًا لصحيفة “فايننشال تايمز”، انخفضت أسعار النفط القياسية من أكثر من 80 دولارا للبرميل بداية العام الجاري إلى نحو 67 دولارا، على الرغم من الارتفاعات المؤقتة الناتجة عن التوترات الجيوسياسية مثل الصراع الإسرائيلي-الإيراني.

وتتوقع تحليلات السوق استمرار وجود فائض في المعروض، ما سيضغط بشكل إضافي على الأسعار. بالنسبة لبعض دول الخليج، أصبحت الأسعار أقل من مستويات التعادل، مما يزيد الضغوط المالية عليها.

وفي ضوء ذلك، نقلت مصادر مصرفية بارزة أن الحكومات المالكة لأرامكو وأدنوك وجهت الشركتين نحو “التركيز أكثر على توزيع الأرباح وأقل على النمو السريع”، في خطوة تعكس الحذر في بيئة سوقية متقلبة حيث أن تغير الدولار الواحد في سعر النفط يعني تغيرا بنحو 900 مليون دولار في صافي دخل أرامكو السعودية.

الحذر في إبرام الصفقات وسط بيئة سوقية أكثر صعوبة

ورغم التباطؤ العام في عمليات الاستحواذ، أشار خبراء إلى أن بعض الصفقات، خاصة في قطاع الغاز، قد تستمر ولكن بوتيرة أكثر اعتدالًا.
ونفى المطلعون على أعمال الشركتين أي نية حالية لشراء شركة كاسترول لزيوت التشحيم التابعة لشركة بي بي، مما وضع حدا للشائعات السابقة.

وأكد أحد المديرين التنفيذيين أنه “في أي بيئة غير مستقرة، هناك حاجة لأن تكون أكثر انتقائية”، مشيرا إلى النهج الحذر الذي اعتمدته أرامكو وأدنوك في ظل عدم وضوح الرؤية المستقبلية للسوق.

ويترتب على هذا النهج تباطؤ ملحوظ في نشاط الاندماج والاستحواذ الذي كانت له انعكاسات كبيرة على المشهد العالمي في قطاع الطاقة.

أرامكو السعودية: استثمارات استراتيجية وسط تقلبات السوق

وأعلنت أرامكو السعودية، خلال السنوات الثلاث الماضية، صفقات بقيمة تقارب 8 مليارات دولار، شملت استحواذات على حصص في شركات مثل البتروكيماويات الصينية “رونجشنج”، وشركة الغاز الطبيعي المسال “ميد أوشن”، وعلامة زيوت التشحيم الأمريكية “فالفولين”، إلى جانب استثمار في “هورس باورترين” المتخصصة بمحركات الاحتراق الداخلي.

وتدرس الشركة أيضا دخول مشروع الغاز الطبيعي المسال لشركة وودسايد إنرجي في لويزيانا، وتوسيع صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى الهند.

ويقول أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لأرامكو، إن الشركة “تسعى دائما لتحسين الكفاءة في الإنفاق” وتتمتع بالقوة المالية التي تمكنها من الاستثمار بشكل مضاد للدورات الاقتصادية، ما يظهر مرونة عالية في مواجهة تقلبات السوق.

أدنوك: تحديات النمو والتكامل الطموحة

ومن جانبها، أبرمت أدنوك صفقات تجاوزت 52 مليار دولار، منها عرض شراء بقيمة 18.7 مليار دولار لشركة سانتوس الأسترالية، واستحواذ بقيمة 15.5 مليار دولار على مجموعة كوفسترو الألمانية للكيماويات، بالإضافة إلى تأسيس شركة بروج العالمية للكيماويات بقيمة 60 مليار دولار، تملك أدنوك فيها حصة 47%.

ولتسهيل هذا التوسع الكبير، أنشأت أدنوك بنكا استثماريا داخليا وأطلقت منصة XRG المتخصصة في الاستحواذات الخارجية.

وقد أعلنت XRG أهدافها الطموحة لتكون من بين أكبر ثلاثة منتجين عالميين للكيماويات وأكبر خمسة في قطاع الغاز، مع تركيز خاص على السوق الأمريكية خلال إدارة ترامب.

لكن مصادر مقربة من الشركة أشارت إلى أن عملية دمج هذه الاستحواذات تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، خاصة في ظل حالة عدم اليقين بشأن أسعار النفط، ما يفسر التباطؤ المؤقت في إبرام الصفقات.

دروس من موجات استحواذ سابقة

وأشار محام مختص في قطاع الطاقة إلى أن سلوك أرامكو وأدنوك الحالي يعكس رغبة واضحة في تجنب التسرع، مستدلا بموجة الاستحواذات التي شهدتها الشركات الصينية الحكومية بين 2009 و2013.

وقال المحامي: “لا يريدون أن يُنظر إليهم كأصحاب أموال طائشة”، ما يبرز أهمية الصبر والتمهل في اتخاذ القرارات الاستثمارية الكبرى.

اقرأ أيضا.. لأول مرة منذ 2018.. الإمارات تنتزع الصدارة من السعودية في سباق عقود البناء بـ31 مليار دولار

تحول حذر واستراتيجي في استثمارات النفط الخليجية

ومع استمرار تراجع أسعار النفط الخام، تعيد أرامكو السعودية وأدنوك ضبط استراتيجيات الاستحواذ الخاصة بهما؛ إذ تتحولان من توسع سريع وعشوائي إلى نهج أكثر توازنا يجمع بين الطموحات الاستثمارية والحصافة المالية، مع تركيز أكبر على توزيع الأرباح والاستثمار الانتقائي.

ويعكس هذا التحول واقع سوق النفط الحالي، ويؤسس لمرحلة جديدة من الإدارة المنضبطة لمسار نمو قطاع الطاقة الخليجي في المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى