هل ستنجح الضربات العسكرية في القضاء على برنامج إيران النووي؟

في تصعيد جديد يعكس التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، نشرت الولايات المتحدة مؤخراً قاذفات استراتيجية من طراز “بي-2” بالقرب من إيران.
تأتي هذه الخطوة كمؤشر واضح على استعداد واشنطن لتوجيه ضربة عسكرية محتملة في حال فشل الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى الحد من أنشطة إيران النووية.
الخطوة الأمريكية المدعومة بتصريحات إسرائيلية تهديدية، أعادت الجدل حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني وما إذا كان الغرب قادراً فعلاً على منع طهران من امتلاك سلاح نووي، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة في المنطقة.
قاذفات “بي-2” وأقوى القنابل
القاذفات الأمريكية من طراز “بي-2” تتمتع بقدرات فريدة، إذ تُعد الوحيدة القادرة على حمل وإسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات، والتي تزن نحو 30 ألف رطل (14 ألف كيلوجرام).
هذه القنابل قادرة نظريًا على استهداف منشآت نووية مدفونة في عمق الأرض مثل “نطنز” و”فوردو”، وهما من أهم مواقع تخصيب اليورانيوم الإيرانية.
تمركز هذه القاذفات في قاعدة “دييجو جارسيا” بالمحيط الهندي يمثل تحذيرًا ضمنيًا لطهران.
ومع ذلك، يرى محللون تحدثوا لوكالة رويترز للأنباء، أن هذه الإشارة العسكرية لا تعني بالضرورة أن ضربة عسكرية وشيكة، بل تهدف إلى تعزيز الردع ورفع كلفة أي تمادٍ إيراني محتمل في تطوير البرنامج النووي.
الهجوم العسكري ضد إيران: فعالية محدودة ومخاطر كبرى
على الرغم من القدرات الهائلة لهذه القاذفات، يرى عدد من الخبراء العسكريين والنوويين في تصريحات لوكالة رويترز للأنباء، أن أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي، مهما بلغت دقته، لن يؤدي إلا إلى تعطيل مؤقت للبرنامج النووي الإيراني، بل إن الأسوأ من ذلك، أن يكون لهذا الهجوم نتائج عكسية تمامًا.
ويقول جاستن برونك، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، لرويترز، إن “أي ضربة عسكرية، ما لم تكن جزءًا من عملية شاملة لتغيير النظام أو احتلال كامل، من المستبعد أن توقف مسار إيران نحو السلاح النووي”.
ويضيف أن “أفضل ما يمكن أن تحققه هذه الضربات هو إرجاع زمن الاختراق النووي إلى الوراء لبضعة أعوام”.
خطر التصعيد الإيراني
يؤكد مراقبون أن إيران قد ترد بقوة على أي ضربة عسكرية. الاحتمال الأكبر، بحسب المحللين، هو أن تطرد طهران مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقوم بتحصين منشآتها بشكل أكبر، وتنقل أجزاء من برنامجها النووي إلى مواقع أكثر سرية.
علي شمخاني، المستشار البارز للمرشد الأعلى علي خامنئي، لمح إلى هذا السيناريو مؤخرًا عندما كتب على منصة “إكس” أن استمرار التهديدات الخارجية قد يدفع إيران إلى اتخاذ إجراءات “رادعة”، من بينها طرد مفتشي الوكالة ووقف التعاون الدولي.
وتعد هذه الخطوة خطاً أحمر بالنسبة للغرب، إذ أن طرد المفتشين يعني اختفاء ما يُعد اليوم “العيون الدولية” داخل المواقع الإيرانية الحساسة.
تجدر الإشارة إلى أن الدولة الوحيدة التي سلكت هذا المسار من قبل كانت كوريا الشمالية، التي أجرت لاحقاً أول تجربة نووية.
برنامج إيران النووي: تحت الأرض وتحت المراقبة
البرنامج النووي الإيراني يتوزع على مواقع عدة، أبرزها منشأة نطنز التي تقع على عمق ثلاثة طوابق تحت الأرض، ومنشأة فوردو المبنية داخل جبل هاتان المنشأتان هما جوهر تخصيب اليورانيوم الإيراني، واللتان ستكونان أهدافاً رئيسية في حال توجيه أي ضربة عسكرية.
الخبير الأمريكي تشارلز والد، الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأمريكي، أشار إلى أن إسرائيل لا تمتلك قنابل خارقة بالوزن الكافي لتدمير هذه المنشآت، مما يجعل أي ضربة فعالة محتملة تعتمد على تدخل أمريكي مباشر.
التحرك الدبلوماسي: هل لا يزال ممكناً؟
في خضم التهديدات العسكرية، بدأت محادثات غير مباشرة بقيادة أمريكية لإحياء التفاهمات النووية مع إيران، والتي انهارت بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عهد الرئيس دونالد ترامب عام 2018، خلال الفترة الأولى.
ترامب نفسه عاد إلى الحديث عن الملف الإيراني مؤخراً قائلاً: “إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف”، في إشارة واضحة إلى أن الخيار العسكري لا يزال مطروحاً بقوة في حال فشل الحل الدبلوماسي.
ردود أفعال إسرائيلية: لغة التهديد ضد إيران مستمرة
التصعيد لا يقتصر على الجانب الأمريكي، فقد كرر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بعيد توليه منصبه، أن بلاده لن تتردد في ضرب المنشآت النووية الإيرانية. وأضاف: “لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم، وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل”.
ويُنظر إلى مثل هذه التصريحات على أنها جزء من سياسة الضغط القصوى، لكنها أيضاً تعكس قناعة إسرائيلية بأن الوقت بدأ ينفد لمنع إيران من امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي.
اقرأ أيضًا .. مسقط بديلًا لروما.. لماذا أعادت أمريكا مفاوضات الجولة الثانية مع إيران إلى سلطنة عمان؟
ما بعد الضربة: سباق مع الزمن
يرى المحللون في حديثهم لوكالة رويترز، أن أية ضربة عسكرية لن تُنهي الطموح النووي الإيراني، لكنها قد تفتح الباب أمام مرحلة أكثر خطورة.
فالمعرفة التي تمتلكها إيران في مجال تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها بالقنابل. وبالتالي، فإن إعادة بناء البرنامج ستكون مسألة وقت فقط.
تقول كيلسي دافنبورت، من رابطة الحد من انتشار الأسلحة، إن “الهجمات ستدفع إيران إلى التحصن بشكل أعمق وتوسيع برنامجها”، وهو ما قد يجعل من السيطرة على الوضع أكثر صعوبة في المستقبل.
في النهاية، تبدو الخيارات أمام الغرب محدودة، فإما التوصل إلى اتفاق جديد يعيد ضبط البرنامج الإيراني، أو الانزلاق نحو مواجهة عسكرية محفوفة بالمخاطر.