رمسيس الثانى في مواجهة فرعون الخروج
فاطمة الزهراء مزر – تكتب:
الكذبة تتحول إلى حقيقة إذا تم ترديدها بما يكفي!
تحولت تلك المقولة من مجرد كلمات عابرة إلى واقع نراه بوضوح عبر تحركات ملموسة قام بها أعداء الحضارة المصرية خاصة في السنوات الأخيرة وما حقيقة قصة رمسيس الثانى في مواجهة فرعون الخروج عن ذلك ببعيد.
في الحقيقة، محاولات سرقة وتشويه الحضارة المصرية القديمة ليست حديثة بل قديمة قِدم الحضارة نفسها!
أضاءت حضارة مصر العريقة بنورها العالم، وألهمت البشرية بعلومها وفكرها وفنونها، التي وهبتها بسخاء ودون تردد. ولكن هذه الحضارة العظيمة لم تخلُ من أعداء حاقدين، سعوا جاهدين للنيل منها وتشويه إنجازاتها.
فراحوا يرددون الأكاذيب، مدّعين أنهم أصحاب الحضارة العريقة، أو مُحاولين تشويه رموزها التاريخية العظيمة.
ولكن محاولاتهم الخبيثة باءت بالفشل، فبقيت مصر شامخة بإنجازاتها، خالدة في ذاكرة التاريخ، رمزاً للتقدم والازدهار.
كان الملك رمسيس الثاني، ابن مصر البار، أحد أهم رموزها العظيمة، وقد واجه هجمات شرسة من أعداء الحضارة المصرية، الذين تسابقوا في اختراع الافتراءات ضده دون كلل أو ملل.
ولا عجب في ذلك، فتشويه صورة أبطال التاريخ، خاصة في أمة عريقة مثل مصر، يُعدّ سلاحاً قاتلاً في يد أعدائها، فهو يُمكنهم من زعزعة ثقة أبناء هذه الأمة بقدراتهم وإنجازاتهم، وجعلهم يتبرأون من رموزهم العظيمة، بل ويحتقرون سيرتهم.
لذلك، يجب أن نتعرف أكثر على الملك رمسيس الثاني؛ لعلنا نعرف أسباب افتراءاتهم ضده إلى حد الزعم كذبًا أنه… فرعون الخروج!
كيف كانت نشأة رمسيس الثاني؟
ينحدر رمسيس من عائلة نال أفرادها شرفَ الالتحاق بالجيش المصري. جده الملك رمسيس الأول كان ضابطًا بالجيش في عهد الملك أمنحتب الرابع الشهير بأخناتون.
تَزَامَلَ الملك رمسيس الأول مع ضابط آخر في الجيش هو حور أم حب. وكان للقدر رأيٌ آخر في تغيير مسارِ حياتيهما.
بطبيعة الحال، كان من المفترض أن يستمرّا كضابطي جيش يتدرّجان في المناصب حسب كفاءتهما وإخلاصهما للوطن، كما حدث مع القائد حور أم حب الذي تقلّد منصب قائد جيش مصر في عهد أخناتون. إلا أن الاضطرابات العنيفة التي حدثت في أواخر عهد الملك أخناتون بسبب فكره الديني الجديد، ثم موته الغامض المفاجئ، وفترة الحكم القصيرة لكل من خلفيه توت عنخ آمون وآي، أدّت إلى صعود القائد حور أم حب ملكًا على عرش مصر.
وبعد فترة حكم قاربت الثلاثين عامًا، خلفه على العرش زميله القائد رمسيس الأول، ثم خلفه أخيرًا ابنه القائد سيتي الأول الذي نال شرف الالتحاق بالجيش مثل والده.
اهتم الملك سيتي الأول بتنشئة ابنه رمسيس الثاني عسكريًا وسياسيًا، فأشركه في حكم البلاد وهو في السادسة عشرة من عمره ليخلفه على العرش فيما بعد.
ساهمت تنشئة الملك رمسيس الثاني في تقديره لمكانة وقيمة مصر التاريخية، فلم يتأخر لحظة في الدفاع عنها. خاض الملك المعارك والحروب والصراعات مع الحيثيين، فقاد جيوشَه بنفسه، وصمّم على استعادة إمبراطورية أجداده، بل وسّع رقعتها إلى أقصى مدى شهدته عبر تاريخها. وكانت معركة قادش وبسالته فيها خيرَ شاهٍد.
بطل الحرب والسلام
لم يكن رمسيس بطلاً للحرب فقط، بل بطلاً أيضًا للسلام. ودخل التاريخ من أوسع أبوابه حينما عقد مع أمير قادش معاهدة سلام تاريخية.
وخلال سنوات حكمه التي تجاوزت الستين عامًا، لم يترك رمسيس شبرًا واحدًا في مصر إلا وكان له تمثال أو خرطوش ملكي يحمل اسمه فيه. بل أن جميع المنشآت المعمارية التي رمّمها تكريمًا لأسلافه وضع اسمَه عليها.
من المحقق تاريخياً أن رمسيس أنجب أكثر من 100 ابن وابنة. ولهذا العدد الضخم من الأبناء تفسيرٌ منطقيٌّ، فقد توفي ثلاثة عشر وليّ عهدٍ لرمسيس في حياته، ممّا جعله مصمّماً على إنجاب المزيد من الأولاد لضمان بقاء العرش في أسرته.
توفّى رمسيس في فراشه بعد تجاوزه التسعين عاماً، مصاباً بالعديد من الأمراض التي جعلته غير قادرٍ على الحركة. وقد أثبتت ذلك الفحوصاتُ الطبية التي أُجريَت على موميائه.
مزاعم صهيونية ورحلة الملك إلى باريس
كما ترون إذن، سيرة رمسيس الخالدة مدعاة للفخر والاحترام منّا، وكذلك للحقد والكراهية من أعدائنا. سيرةٌ تتناقض تماماً مع مزاعم الصهاينة وإصرارهم على أنه فرعون الخروج!
لكنّهم لن يتوقفوا أبداً عن افتراءاتهم. وهنا يجب ذكر واقعةٍ شهيرةٍ حدثت في سبعينيات القرن الماضي.
أًصيبت مومياء الملك رمسيس الثاني بالفطريات، ممّا اقتضى سرعة التدخل لعلاجها. ولهذا السبب، استطاعت فرنسا إقناع مصر بضرورة سفر المومياء إلى باريس على وجه السرعة لإنقاذها من التعفن.
و بالفعل، سافرت المومياء عام 1976، وصُنع جواز سفرٍ خاصٌّ للملك رمسيس. واستُقبل في المطار كملكٍ سابقٍ لمصر، فعُزف النشيد الوطني المصري وأُطلقت 21 طلقة تحيةً له.
وعلى مدار أشهرٍ تواجدت خلالها مومياء الملك رمسيس بمتحف اللوفر بداعي الترميم، كما أُعُلن ظاهرياً للعامة. إلا أنّ السبب الحقيقيّ لسفر المومياء وفحصها طوال تلك الفترة كان محاولة إثبات صحة افتراءات الصهاينة ومزاعمهم بأنّه فرعون الخروج.
لكنّ جميع الفحوصات فشلت في إثبات تلك الأكاذيب للأسباب التي ذكرناها سابقاً.
لم تتوقف الكارثة عند هذا الحدّ. ففي عام 2006، فوجِئت مصر بإعلانٍ من رجلٍ فرنسيٍّ على الإنترنت يعرض خصلات شعر الملك رمسيس للبيع!
فيما بعد، ظهر أنّ هذا الرجل هو ابن أحد الباحثين الذين فحصوا المومياء خلال تواجدها في فرنسا قبل ثلاثين عاماً. فطالبت السلطات الفرنسية بضرورة استعادة الخصلات، وهو ما حدث بالفعل بعد عدّة أشهر.
كان ذلك جانبًا بسيطًا من حكاية الملك رمسيس الثاني المُفترى عليه. الآلة الإعلامية الصهيونية وأذرعها لم ولن يتوقفوا أبداً عن ترديد الأكاذيب والافتراءات ضدّ حضارتنا. لكنّ أبناء مصر المخلصين لن يتوقفوا عن الدفاع عنها والفخر بها.